سنة النشر : 31/12/2008 الصحيفة : اليوم
.. أرسل على البريد الأستاذُ العلـَمُ اسماعيل النواب رابطا لمقال، لكاتبةٍ فلسطينيةٍ تعيش في الولايات المتحدة، اسمها ليلي الحداد، قدمها بأن أسرتـَها صديقة لأسرتِه، والمقالُ كتب بالإنجليزية، ولكن بعواطف فلسطينيةٍ عربيةٍ، مُدْمِيَةٍ مُرَّةٍ، حارةٍ، وباكيةٍ، وغاضبةٍ، في تعابير مغروفة من آخرِ غـُرف الألم في الوجودِ العاطفي البشري.. ويكفي أن عنوان مقالها كان «أمطارُ الموت».
ويزيد عمقُ تأثـّر القارئ بألمِها، أنها تقول: أُمّي وأبي الآن في غزة.
وهي تقول: في المكان الذي يعيش به والدَي، ضربت المقاتلاتُ الإسرائيلية مواقعَ حولهم. وهي تقول «ناس» people ، ولم تقل جُندا، ولا ميليشيات، ولا فيالق من حماس.. مجردُ ناسٍ يسعون لإكمال يومهم، وكان لإسرائيلَ قرارٌ آخر.. واسرائيلُ جادّة، وصادقة، وقولٌ وفعلٌ، بما يخصّ قراراها لأهل غزة: الموت.
قالتْ، وفعلـَتْ!
وستفعل..
«الحداد» تقول: «في يوم واحد ضربت ستون مقاتلة اسرائيلية..» (تصوروا يا «ناس»، ستون مقاتلة، كافية لحربٍ دوليةٍ، تضرب مدينة، شريطا صغيرا، مليئا بالناس، ناسٌ مثلكم، مثلنا، أهلكم، أهلنا.. ) حسبيَ الله على اليهود، حسبي الله.. ولا نجدُ إلا أللهَ ملجأً وملاذا، وهو خيرُ المُليذين.
مثل لعبة الحرب بالكمبيوتر، مثل أفلام الحرب الهوليوودية، ستون مقاتلة عنيفة من أفضل طراز تطير تيْهاً وتوحشاً في الأجواءِ، نهاراً جهاراً أمام العالم، وأمامنا نحن المغلوبين على أمرنا.. دائما مغلوبون على أمرنا..
تقول ليلي: «بيوم واحد ستون مقاتلة قصفت خمسين موقعا ومات ثلاثمائة في الحال، وجُرح ما لا نحصيه بالتحديد..»، وهي تقول أن هذا كان العنوان العريضُ للصحيفة الاسرائيلية «هآرتز»، اي ليس من عندها، وليس من أبوَيْها.. تصوروا: بيومٍ واحد.. يومٌ واحدٌ فقط.
إنه «مطرُ الموتِ»، تـُنزله اسرائيلُ في حربٍ احترافيةٍ على من وقف بطابورٍ لشراء خُبزة، ومن تـُرضعُ طفلا، ومن لبستْ مريولها القديم المشهَب، لتروح للمدرسة.. فلا تُشـْتـَرى الخبزةُ، ولا يُرضَع الطفلُ، ولا تعودُ البنتُ.. ويغيب لون مريولها بلون الدم.. كلهم ماتوا، بقصفٍ جوي من مشاهد الحروب الكبرى.
لا أدري لم يتكلم «ناس» الآن عن الموضوعية؟ أوعن حق الأرض والسيادة؟ أوعن التوازن في نقل الخبر؟.. يا للسخف، يا لقلة الذوق وضعف الشعور الإنساني بله الأخوي. كما ان فتح المعابر ليس قضية ولا خيارا، إنه ما يفعله «ناسٌ» عاديون لناسٍ عاديين عندما تحاصرهم نارٌ أو حربٌ.. وهذا أضعف الإيمان.
والله أنا متأكد أن اللهَ سينتقم من اليهود، ولكني أخاف علينا نحن من عقاب الله..
حسبيَ الله.. حسبيَ الله.