سنة النشر : 20/12/2008 الصحيفة : اليوم
.. كان حضور الدكتور «محمد عبده يماني» لإلقاء محاضرة عن حقوق الإنسان في الإسلام، فرصة ثمينة، وعمل الدكتور منصور القطري رئيس فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة الشرقية على بذل جهدٍ من الصعب أن تتخيله من أجل أن يأتي بالرجل الذي له باعٌ طويلٌ في البحثِ والفكر والفلسفة والتأليف الإسلامي.. حتى أنه في اليوميْن الأخيرين، كما قال لي، لم ينم إلا ساعاتٍ قليلة..
وفرِحْنا بحضوره من جهة، وبعددِ ونوعية الحضور. ومن جهةٍ أخرى، كانت خيبتنا واضحة بغياب كتابنا ومثقفينا، ورجال أعمالنا ( الذين أقيمت المناسبة في مقرِّهم – الغرفة التجارية) .. ولقد سألـَنا الرجلُ.. وقلنا، وقال: «الخيرُ والكفاية بمن حضر». والذين حضروا أسعدوا الدكتورَ وأفرحوه بمداخلاتهم، واسئلتهم، حتى أن الرحلة التي ستقله إلى جدة كادت تفوته.. وانتهت المحاضرة وكأن الوقتَ برقٌ، وبيدي أسئلة مكتوبة لم أسأل رُبْعها، و بقي كثيرون من دون تلبية مداخلاتهم..
ولكن لن أنسى حين قيل لي: أين جسرك يا نجيب؟
أما الجسرُ فهو الذي حدثتكم عنه هنا يوما، لما أقمتُ دعوة في جدة في رمضان الفائت، كي أناقش مع خلاصة أهل الفكر هناك موضوع ربط الخليج مع البحر الأحمر للتبادل الفكري، ببرنامج لاستضافة كتابنا بالشرقية ليكتبوا بصحف الغربية، مؤكدا أمامهم أن عندنا عقولاً بازغة، ويجب أن يتعرف عليها الكتابُ والمفكرون والقراء في الغربية، لأننا في الشرقية مفتوحون على المشهد الثقافي والفكري في كل المملكة.. وصار أمران:
الأمرُ الأول: أن الذي رجوت منه أن ينسق من الغربية للدعوة وضع ثلاثين اسماً، وأخذ موافقاتهم المبدئية للحضور للدعوة التي أُعتِزَم إقامتـُها تحت لواء مقرنا الثقافي (أمطار) بالرياض، للتحضير لبدء فعاليات له بالساحل الغربي. ثم فوجئتُ بأن الحضورَ تجاوزوا العددَ المحدّد بكثير، وخرجت من الدعوة وانهالت مكالماتٌ من اعتقدوا انه تم نسيانهم.. وحضر اللقاءَ جمعٌ تعدى السبعين شخصا.. ولم يكن لنا إلا وقتٌ يسير لتناول طعام السحور من شدة حماستهم لمناقشة الفكرة، وترحيبهم بها، وأخذوها بجديةٍ أكثر مني، متمنين أن يتعرفوا على كتابنا الشباب الطالعين بأقرب مناسبة. أحد رؤساء التحرير بلقاءٍ جانبي شخصي، وبحضور الأستاذ عبدالله الطياري، طلب مني أن أرشح من أشاء للكتابة في جريدته من كتابنا الشباب بالذات.
أما الأمر الثاني: فوجئتُ بحضور ممثلي مجلس إدراة غرفة تجارة جدة، برئيسها صالح التركي، وبالرمز التجاري والفكري الدكتور عيدالله دحلان.. معلقين أنهم من الوسط الفكري، وأن الفكرَ والأعمال يجب أن يتحدا جناحيْن ليصعدا بالواقع الثقافي بالبلاد.. وأكبرتُ لهم ذلك. ولم يقفوا عند ذلك بل قاموا بإهداء ( أمطار) مقرّاً لعقد مناسباتها، عِوَض أن تستأجر أو تنشىء مبنى لها خاصاً في جدة، وهي القاعة الحديثة المجهزة باسم الدكتور الدحلان في بيت رجال الأعمال بجدة مع طاقمها الإداري.. وذهلتُ من هذا الكرم.
ولما دعاني الدكتور الصديق منصور القطري لإدارة المناسبة ( وكنت منوما في المستشفى، خرجتُ وعدت إليه من فرط اهتمامي بالمناسبة) وتأكدتُ منه أنه بلـّغ الجميع للحضور، وأكّد لي ذلك. ورأيتها مناسبة ليرى الدكتور يماني العقول المتميزة لمثقفينا ورجال أعمالنا.. ولكن: لم يتفضلوا بالحضور.
والذين حضروا أبدعوا. وداخل متحدثون كبارٌ مثل الشيخ حسن الصفار، والشيخ عمر الدويش بفصاحةٍ ورؤيةٍ أخاذة أعجبت الدكتور يماني، وتطاولتُ أنا فخرا بعنقي.. ثم علق الدكتور عبدالرحمن المديريس مطمئنا الدكتور على حرص الوزارة وإدارته على إدخال مفهوم حقوق الإنسان وتنمية المعارف الطلابية بشكل عام، وذلك إجابة عن سؤال وردني للدكتور يماني من أصغر الحاضرين واسمه يزيد ( صف خامس ابتدائي).. يقول فيه: «لماذا لا تُضَمُّ مادة حقوق الإنسان لمناهجنا الدراسية؟»، وصفق له الحضورُ، وطـُرِبَ لسؤاله الضيفُ الكبير.
كان حريّا أن يحضر مثقفونا، والأحرى أن يحضر أحدٌ من الغرفة، سواء من مجلس الإدارة، أو من الأمانة، أو من ممثل مجلة الغرفة. أرجو ألا يغضب رجالُ الأعمال عندما يُتـَّهَمون أنه لا تهمهم الثقافة والفكر.. وأنهم مسخـَّرون لجمع المال فقط.. آسف، لم يثبتوا العكس.. وكان بإمكانهم أن يثبتوا!