المقاومة

سنة النشر : 26/08/2008 الصحيفة : اليوم

 

«عندما يتفق الجميع على ما أقول، أشعر دوما أنني كنت على خطأ»- أوسكار وايلد .. لقد أريقت بحور من الحبر عن النفاق، ولم يتفق أن كتب أحد عن هذه الصفة إلا وذمها وأغرق في الذم.

على أن النفاق مازال أكثر الصفات حيوية وعافية وانتشارا في كل الأرض، متفاوتا من مكان إلى مكان، حسب طاقات خطط المقاومة.

ولكنه الداء الذي لم يُستأصل من الأرض، فهو يفجر كل السدود وينطلق تيارا لا يصد في المناطق المنخفضة ، ويجيء منه شيءٌ من الرشاش وتطاير الرذاذ في الأماكن العالية، وحيث إن المناطق الأقل تقدما وأقل تفتحا وأقل نظاما وانتظاما هي مثل الأراضي السهول، فلا بد بفعل آليات الطبيعة أن يغمرها الطوفان ، طوفانُ النفاق ..

والذين يصدقون المنافقين، يحتاجون تدخلا سريعا للعلاج النفساني ، ولا يصدق النفاقَ الصريح إلا المنفوخون أساسا بذواتهم ، على أن عقدة النقص التي نسمعها من أي شخص اطلع أو عرف شيئا اسمه التحليل النفسي لا ينطبق على هؤلاء المنفوخين، ولا أمل في إصلاحهم من داخلهم، ولا بد أن يكون المؤثر خارجيا ولابد أن يكون علاجيا، وبالتالي يهمنا أمرهم كما يهمنا أمر أي مريض مصاب بعلَّة من العلل بالدعوة في أن يرفع الله عنهم ضررهم وسقمهم، هذا لو أن الأمر شأنهم ولا يتعداهم .

ولكن المصائب تحل عندما يكون لأحد من هذه فئة منفذ على السلطة ، فهو لن يراها كما يجب أن تكون، أي السلطة الموظفة للخدمة العامة ، لأنهم مصابون بالعمى التقديري ، وهذا المرض يغطي خلايا الإدراك والإبصار في الدماغ فيعطل توخي الصورة بكامل عناصرها، فيوظف السلطة فقط لزيادة الإيقاع في الانتشاء الفردي والدوخان في عشق الذات.

ثم يأتي ويتحولق أهل الجوقة المعروفة وهم هؤلاء الظراف جدا، المنافقون ، يلتفون على النوعية العاشقة لذاتها، ويجدونها تاج المتع، فليس على المنافق أن يجدّ كثيرا أو أن يحك حجرَ حكمة التهويل والنفاق، فعاشقُ ذاته يكفيه الكثير من العناء.. وهنا، مالم يكن هناك تدخل لشخص قوي وصادق لنصح الرجل بالتماس العلاج، وهذا أمر أندر من أندر خامات الأرض فإن الأمر سيستمر وبالا على الناس الذين كان يجب أن تشملهم خدمات سلطة عاشق الذات، ونعمة دسمة له وللجوقة الأنيسة حوله.

ونخاف على هؤلاء الفئة أن يأتي التأثير قالعا ماسحا مثل مارأينا بأمهات أعيننا لمنخوفين ملأوا الجو فجأة، ثم انفجروا في الهواء وتلاشوا مع ذراته.. وهناك نوع أدهى ، وهم محبو النفاق والمنافقين حبا فيه، على طريقة ما نسمع من الفنانين الذين يقولون إنهم يحبون الفن للفن ، أو الأدب للأدب .. فهؤلاء، النفاقُ بالنسبة لهم مسألة إرادية بحتة، وقد تكون نابعة إما من تربية جعلته يتأكد أنه محور الدنيا، أو لأنه قد عاش وضاعةً في عمره وتعرض للهـِنة والإهانة في سابق تجاربه، ومتى ما تسلل للسلطة فإنه هنا يشتهي ألا يذوب في نفسه مثل صاحبنا البريء السابق، ولكنه يتمتع بساديةٍ في تعذيب الناس ، وهذا النوع يبادر في جمع الجوقة المنافقة ، ولكنهم أيضا يختلفون عن الجوقة المرحة عند رجلنا البرئ الأول ، لأنها جوقة من المنافقين بالضرورة، والذين تلتف على رقابهم حبال عاشق النفاق للنفاق، ولكنه يحب أن يجمع المنافقين ويحتقرهم ويحملهم أمور الفشل.. وبالتالي فإن الجوقة لا أثر لها على القرار أو الناس إلا في تطريب أذن عاشق النفاق ، لأنه يطرب في إذلالهم ، ويطرب في التحكم بالناس .

على أن هذا النوع يخطئ خطأ متكررا عبر التاريخ في أن نهايته تقع دائما من أقرب الحلقات إليه ، من الجوقة المنافقة ذاتها التي تتشبع مع الوقت بعذابات الإذلال، فما أن ترى أي مؤشرٍ للخيانة تبادر لسلِّ الخنجرَ مسموماً للطعن في ظهر من سامهم سوءَ وانحدار التعامل.

ويرينا الحاضرُ أيضا بأمهات أعيننا حوادث جرت لاندحار عاشقي الذات.. وابحث دائما عن الجوقة القريبة التي صنعها بيديه!