سنة النشر : 29/10/2005 الصحيفة : اليوم
.. لو لم تكن هناك أحداث قوية لأرجأت مواضيع السياسة فهي ثقيلة ولا تنتهي، ولكن بعضها يعطيك إما درسا في فصل السياسة، أو يمدك بفصل جديد في تاريخ السياسة..
فيما يتعلق بالنوع الأول، وهو الخطاب الذي أبقاه الرئيس الإيراني، وبصراحة لم تعتدها اللغة الدبلوماسية في كل المنطقة، فهو قال: (إن إسرائيل يجب أن تـُمحى من الخارطة).. يا ساتر قوية! وسمت الواشنطون بوست هذا الخطاب في عدد الأمس بخطاب الكراهية.
والرئيس الإيراني قال ما هو في ضمير كثير من المسلمين، فمنذ بزغت إسرائيل وهي مثل ذيل الشر الذي يضرب في كل مكان وينثر شره في كل زمان، منذ بزغت إسرائيل غابت عنا شمس الحق، والعدل والإنصاف.. ثم ظهرت فينا صفات كانت بالسر، ثم تكشفت بحياء وراء ستر ممزقة، ثم قفزت بجلاء وقلة حياء.. وامتدت أيادٍ لإسرائيل، ونسأل ماذا استفادت هذه الأيادي من إسرائيل.. لا نعرف إلا أنها عُصِرت حتى الآهة الأخيرة. ماذا نرى الآن؟ إرهاب، أليس كذلك؟ تذهب بنات في عمر الفجر الطالع، وأولاد في رحيق العمر ويتناثرون أشلاء. صح؟ ممكن. خطأ؟ ممكن. ولكن الواقع أن ما جرهم إلى ذلك إلا حياة شقية تحت نيءر اليهود، حياة أحلى منها الموت!
لن أقول لك أنا مع الرئيس الإيراني، أو أنا ضد ما قال على الأقل دبلوماسيا. ربما لو كانت عندي مفاعلات نووية لما ترددت أن أقول.. ربما!
ومن النوع الثاني، لجنة التحقيق التي يرأسها السيد ميليس، جملة جديدة في صفحة التاريخ السياسي للأمم. لجنة تحقق في دولة ذات سيادة قضائية، ثم تتهم أشخاصا مُهِمِّين في دولة أخرى ذات سيادة سياسية وقضائية.. ولكنه درس مهم، أحببناه أم لم نتقبله، ويجب أن يعيه مسؤولو الدول، وهو أن الظلام لم يعد مسموحا به في حياكة الأشياء. وأن البلطجة والتنمر باستخدام ظروف قوة واقعية تسخرها دولة ضد دولة قد انتهى.. أو أن ممارسته لم ولن تعود سياحة تنمرية كما كانت. وأن يعي المسؤولون الكبار الذين يملكون مقدرات الناس المغلوبين على أمرهم، أن عهد التلاعب في حاضر ومستقبل الشعوب.. خلاص، انتهى!
لجنة التحقيق الدولية أحرجت الحكومة السورية، ليس فقط أمام الرأي الدولي، ولكن أمام شعبها، وإن كانت أفواههم تدار بالريموت كنترول الحكومي، ولكن كل فرد سوري يمتاز غيظا في داخله لأن تورُط الحكومة هو الذي سيدفع ثمنه جوعا وحرمانا وليست الحكومة المليئة بكل شيء!
لم تعد هناك عصمة ضد أكبر الرؤوس، متى ما نسيت أنها يجب أن تكون أيضا أكبر العقول، وأكبر الضمائر.. ولعلي إن شاء الله أعيش يوما أرى لجنة دولية تحقق مع المتنمرين في إدارات دول أخرى.. مثلا من ؟ دعوني أتذكر.. مثل الحكومة الأمريكية. لماذا؟ اكتمالا للمهمة العليا للجان التحقيق الدولية، حتى لا يكون المتنمـِّرُ هو القاضي!