التطوعُ .. خيار أمني

سنة النشر : 27/08/2014 الصحيفة : اليوم

 

.. الآن، القضية الأمنية الداخلية، مع أهميتها في كل وقت.. لم تعد كما كانت في كل وقت، ثبت ويثبت كل يوم أن طاقاتٍ بشرية تُخلـَع من لحمِنا الحيّ لتنزف في طين ووحل الحروب والخداع والضلال.. ونقول إن السبب هنا وهناك، ولكن نتغافل عن أهم شيء، وهو أننا تركنا طاقاتٍ تُهدَر، طاقات تشق الأرض، وتبني للذُرى مهملة بدون حلول، أو أننا نتغافل عن الحلول، ثم لعقنا الآن المرّ، ووُسِمنا بصفاتٍ لا نقبل أن تُخلع علينا من كل العالم. تغافلنا عن أهم الأخطار التي تبين قدرة الحذاقة الإدارية لاستراتيجيات الأمم، وهي أن تُترَك الأمورُ لتحلّ نفسَها بنفسِها، يثبت التاريخ، وتثبت التجارب الإنسانية أن الخطوبَ الكبرى تهجم عندما تُترك المواضيعُ الكبرى تحلّ نفسها بنفسها، أو الأسوأ عندما تداهم ونحن غير مستعدين لها ولم نخطط قبليّاً لمواجهتها، فتأتي ارتداداتُ الأفعالِ اللحظيّة وهي أسوأ ما يكون في وضعٍ إستراتيجي خاص.

كل الموضوع أننا لم نحفر القنوات ليجري بها الماء سائغاً إلى مساربه النافعة، فيسقي الشجرَ الذي يظهر الثمر، عندما لا توجد هذه القنوات لا يعني أن سريان الماءِ يتوقف.. لا، مُقدَّرٌ للماءِ في ضميره أن يسري.. والسؤالُ، إلى أين؟ وكذلك طاقات الشباب، تركنا، فساحة كبرى للشباب من الوقت الرخو، فلا نسندهم في مشاريعهم الخاصهم، وتعد جداول الإحصاء عشرات الآلاف من المشاريع الشابة تتوقف أو تخسر لأن كل شيء يوضع لعرقلتها بقصد، وهذا مؤذٍ، أو بدون قصدٍ وهذا أذاه أكبر.. فأين يتجه شبابٌ خسروا مشاريعَ حياتِهم يملؤهم الغضبُ واستحقاقاتُ الديون؟ كل يوم نُخرج قانونا أو نظاما بدل أن نحفزهم للعمل الجاد، وهذا حلم كل شاب، يسد أمامهم الطريق ليبيعوا طاقاتهم للخواء بالالتفاف توظيفيا فارغا في الخروقات التي يمهدها النظام أو القانون نفسه.. ثم تبكي البواكي! لا، يجب أن نتوقف هنا.

بالأمس قرأت هنا مقالا للدكتور محمد حامد الغامدي، وهو على دأبه في الصراخ على ضياع الماء الذي جمعته طبقاتُ الأرض بأمر ربي ملايين السنين، والآن نتعرض لجفافٍ جوفي يقف شبحا مهددا، والبترول سيلحقه بلا شك.. سأتحمل كل ذلك مع أنه لا يمكن تحمله، إلا أن نضيّع طاقاتِ الشباب.. هي ليست كالمخزونات الطبيعية، هي لا تجف وإنما تتعاظم.. هذا قدر الشباب، هذه الهرمونات الثائرة في تشريحهم الحيوي. ليس لدي حلول الآن.. ولكني مثلكم، ولعلكم أكثر مني، متعلقٌ بهذا الوطن، ولن يرحمنا غيره مهما كان حالنا، في مسألة الأمن الداخلي لا أرى في الواقع المُعاش إلا أن تفتح كل مجالات التطوع المدني للشباب، إنكم وإني نرى الآن الإقبال الشديد على العمل التطوعي، وصار بعضه يحمل جينات العمل المدني الفعلي؛ لذا يجب أن نحفر القنوات الصالحة لهذه الطاقات من الدينامية ومن الذكاء والإبداع الشبابي حتى يسقى شجرة الوطن كي يثمر.

أرجو أن يُركَّز الآن أمنياً إستراتيجياً العمل على إنجاز هيئة أو مجلس تطوعي مدني مستقل، وأن تيسر للفرق الشبابية العمل ما دام أنها تحت المثلث المهم: الدين، ونظام الدولة، وقوانين الأخلاق والسلوك، وألا تجبر على الاختفاء أو الالتحاق بجمعياتٍ لا تحمل ذات أجنداتهم العملية والفكرية، لأنها لم تُعط ترخيصا للعمل.. فتموت أكثر!

دعونا نرى شبابنا يعملون بعشرات الآلات تحت الشمس، ولا مانع أن نراقب ونصحح ونوجّه. أول عناصرِ الأمن الوطني.. العملُ تحت الشمس!