لقاء الأربعاء

سنة النشر : 19/12/2010 الصحيفة : اليوم

 

.. من أجمل لقاءاتي، لقاءُ الأربعاء الماضي مع طالباتِ كلية العلوم والآداب في جامعة الدمام.. لقاءٌ شملته مظلة العفوية، والبعد عن التقليد المحاضري والإلقائي، ليكون الجو مليئا بأفكار وتطلعات وآراء هذه الطلائع، بدل أن يكون الجوُّ فرْضاً فوقياً من محاضرٍ بآرائه المؤطـَّرة. وامتناني عميقٌ للدكتورة «نُهى الملا» التي لم تيأس من جدولة اللقاء أكثر من مرة، ومن متابعة شخص ثقيل الاستجابة مثلي، وتعطي مثالا عاليا على الإصرار، والحرص على برنامج تطوعي.

فجامعة الدمام بدأت وبشكل ملحوظ إدخال مفهوم العمل التطوعي كنشاط معتمد داخل الحرم الجامعي، وهي لم تدع الريادة باعتماد البرامج التطوعية، ولكنها الأكثر توهجا ونشاطا، فمنذ بدء هذا العام الدراسي حضرت على الأقل أربع مناسبات تطوعية فيها، وسأنسب هذا العمل إلى تفهم الإدارة العليا في الجامعة فعلا وتطبيقا واستمرارية لمفهوم العمل التطوعي، فقد أثبتت بعض الجهاتِ الرسمية معنا استمراراً في العمل التطوعي كشركة أرامكو، وأمانة منطقة الدمام.. وخبرتُ أيضا خيبات أملٍ وانسحابات وتقلبات في استغلال العمل التطوعي من بعض الجهات.على أي حال نعود لجو اللقاء، ونسميه لقاءً لأنه يحمل صفات اللقاء، ويفتقر عناصر المحاضرة.

أدهشتني الفتياتُ بسعة إطلاعهن، وبقدراتهن الذهنية، وبأسئلتهن المبتكرة، وبعفويتهن الارتجالية، وثباتهن في السؤال، وبعضهن كُنَّ يصررن على المنافحة وإعادة التوضيح.. وتكشف للجميع، وأظن المفاجأة قد شملت مدرساتهن، بهذه الحماسة في الاندفاع للنقاش والسؤال وإبداء الرأي.. فكنتُ أضع قلبي عند كل سؤال لعلي أفي بالإجابة أمام عقول متوثبة وعطشى لمعرفة المزيد، فشمل حديثنا تشريح الدماغ الإنساني، وانشطار الذرة والتقوس الكوني في نسبية «أينشتاين».. مع جامعيات في مقتبل العمر.. لذا أقدم دوما بنات وأولاد بلدي في الطليعة، ولا أُبالي.

وتحدثت الدكتورة «منيرة المهاشير» بمُنتهى الدقة والأستاذية حين قالت جملةً استغرقتني تأملاً: «يقود العملُ التطوعي إلى تنمية «الحسّ» الوطني»، وعالجنا معنى هذا الحس الملفت في أكثر من إجابة، وعقبتُ عليه بنهاية اللقاء.. وانظروا إلى بناتنا يسألن الأسئلة الكبيرة وبثبات الخبيرات فوق منصات الإلقاء. «مريم» تسأل عن معنى امتداد العمل التطوعي، وأهمية مأسسته، وتدلي بشرح مقتضب ووافٍ بالموضوع.

و»رهام الحيالي» ناقشتْ وأعادت النقاشَ لتوضيح المفهوم حول المواهب. و»فاطمة أبو سرير» تتحدث بنوع من الموسوعية عن توازن العطاء في العمل التطوعي والعمل المهني، لنكتشف معها أن هناك مهنية في العمل التطوعي، وأن هناك تطوعا في العمل المهني. و»مها» طالبة لغة إنجليزية، وتريد أن تتقن الهيروغليفية ولغاتٍ حية أخرى، انظروا للطموح، وهي دليل أننا لو أطلقانا همم الشباب في التخصصات الجامعية لخرج لنا علماءُ وعالماتُ آثار (أركيولوجي) وسلوك الإنسان عبر التاريخ ( أنثروبولجيا التاريخ) وعلم الألسنيات للغاتٍ دارسة ولغاتٍ حية.

و»بدرية الحبيلي» تسأل عن الموهبة والعمل التطوعي وتوسيع قاعدة التحفيز للمبتكرين والمنجزين بتعدد مناسبات ومناطق جوائز الإبداع. «هند الهرفي» ليس غريبا أن تسأل في الأدب والكتابة، فهي من بيئةٍ أدبيةٍ فكرية، وعمها أستاذنا الدكتور «محمد الهرفي» من البيارق المرفوعة عالياً في سماء الفكر الراقي والمتزن. و»رنا الخالد» عادت على موضوع الموهبة من زاوية المجتمع والعنصر الأول، العائلة.

و»نجود» أيضا مساهمتها انصبت على شِقـَّي المفهوم التطوعي وآلية اكتشاف المواهب وهو موضوع مهم وتختلف فيه آراءُ كبار المربين، و»رزان السحيمي» قادتنا إلى الحديث عن تشريح الدماغ وهي تقول لصديقاتها: «لا تيأسْنِ لأن لا موهبة لديكن، فقد تخرج متأخرة»، وهذا صحيح، فتطرقنا لخلايا المخ الكامنة حول اللاقطات العصبية والكيميائية والكهربية.. وكانت «سندس الغامدي» المداخلة قبل الأخيرة في إستراتيجية المواهب، ثم «آلاء» في ماهية وجوهر التطوع.

خرجت أسأل نفسي: منْ أفادَ منْ؟