سنة النشر : 04/11/2010 الصحيفة : اليوم
.. قال «ألبرت أينشتاين»، لما تكاثرت الانتقادات على ما يقوم به العلم والعلماء في الاكتشافات العلمية التي طبقتها الجيوش لغرض الحروب : «أن العالم ليس مكاناً خطراً بسبب من يحدثون الأضرار، ولكن بسبب من يشاهدون تلك الأضرار بدون أن يفعلوا شيئًا» .
وأضيف ما كتبه «طه حسين» في مقدّمة إهدائه لكتابه الأيام :» أهدي كتابي هذا للذين لا يعملون، ويؤلمهم أن يعمل الآخرون..» أصعب شيءٍ أن تعمل ، تأخذ من وقتك وجهدك ومالك لأن لكَ قلباً ينبض من أجل الآخرين ، عملاً لا تستفيد منه أي فائدة مادية واحدة سوى هذا الرضا الإنساني السابغ ، وقبل ذلك روعة التوجه في الأعمال من أجل ربِّ كل الأعمال.
وأسهل شيءٍ في الدنيا أن ينفث أحدٌ نفسَه السوداء في الانتقاد، أو تعطيل أعمال الخير للبشرية، وبالذات للمجتمع المحيط .. لأنهم نوع من البشر منزوعي الحبّ التلقائي للآخرين فيحاولون تشويه مالا يقبلُ أصلاً التشويه.. فإذا التشويهُ يزيد منه توهجاً ولمعاناً، وناراً تحرق من انتقد لغرض الحسد والغيرة.. والضعف.
هذا كان موضوعُ النقاش الذي دار عبر الهاتف بصوت متهدج حزين، ولكن مفعمٍ بسعادة بعيدة، وبأمل لا يعرف الاستسلام في النظر للمستقبل.. وصاحب الصوت واحد من أبطال هذا المجتمع الذين عزّ نظيرهم.. واختفوا، لأننا أخفيناهم بطبيعة هذه الطاقية التي نحسن استخدامها لإخفاء الأعمال الكبرى.. الرجل الكبيرُ يقول لي: «لقد فقدتُ ابني وتألـّمت، وفقدت صديقي العظيم وموجهي للأعمال الاجتماعية الكبرى الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله وتألمت، وما زلت.. ويؤلمني، ويشرخ قلبي ما آلت إليه أعمال التطوع الكبرى لخدمة المجتمع.»
وما لم يقله أن قوى الحسد والإحباط والتشاؤم والنقد والغيرة تشتعل وتتضام مع بعضها بتحالف شرير، لتنزع المبادرة من المحسنين الكبار الذين يقدمون الأعمال التي توازي المشاريع الحكومية بضخامتها ونفعها للجميع بلا تفرقة.. هنا كاد صوتُ الرجل أن يكون دمعًا. دعوني أخبركم قليلاً عنه، فقط رأس الجبل الجليدي، وما خفي كان أكبر وأجَلّ.. يتداعي الناس الآن بإكبار وإعجاب للمحسنين العظام Super Philanthropists، في أمريكا وهم المتبرعون بالمليارات أو مئات الملايين من الدولارات.
قبل أن يخرج «بيل جيت» كمحسنٍ شهير في العالم بأكثر من ربع قرن تبرع رجلٌ سعوديٌ لوحده بمئات الملايين من الريالات تجاوزت النصف مليار بمراحل لمشروع مهم هو مركز الملك فهد للأورام وسرطان الأطفال، وكان نسخة طبق الأصل لمستشفى «سانت جود» المختص بسرطان الأطفال الأشهر في العالم، وكان قبل ذلك تبرع لمركز البحوث في المستشفى الأمريكي من أجل إيجاد دواء لسرطان الدم عند الأطفال، وبالفعل اكتشفوه وحقق نتائج جيدة بمقدار 80% انتفع بها أطفالـُنا نحن، وأخذ منهم صفقة الإشراف على بناء مستشفى مماثل بالرياض و موَّلـَهُ بتشجيعٍ من الملك فهد الذي كان صديقه وسبب نهضته العملية.
بعد ذاك، أُبْعِدَ عن مستشفاه بل إنه لا يزوره إلا بإذن مسبق أو سماح بالزيارة.. بينما «سانت جود» بنوا صرحاً باسمه بارتفاع سوامق الأشجار في ميدان المستشفى، ولن تجد في مستشفى الملك فهد لسرطان الأطفال الذي بذل فيه محسنُنا الكبير وهو معالي المهندس «ناصر الرشيد» شيئا يشير لاسمه ولا شخبطة طبشورةٍ في جدار.. هناك نوعية غريبة من البشر تقف ضد الأعمال الخيَّرةِ غيرةً من منشئيها، ولا يهتمون أنهم قد يقللون من حماسة المحسنين للشروع في الأعمال الكبرى الإنسانية، ويمنعون عن عموم الناس فوائد يجنونها من أجل الحياة ذاتها. يبقى أن عزاءَ الرجل الكبير في صديقه الذي يحبه ويقدّره كثيرًا وهو ابن الملك الراحل فهد.. أميرُ المنطقة الشرقية أميرُنا.
ما جاء في مقالة الأخ محمد الوعيل بهذه الجريدة، عن شكر الأمير محمد بن فهد لأخينا الكبير طارق التميمي من أجل عمل كبير.. أشعرتنا وكأن روحَ الملك العظيم ما زالـَتْ معنا.