سنة النشر : 24/06/2010 الصحيفة : اليوم
.. وزارةُ العمل تقول عند 50 درجة مئوية: “قف عن العمل الميداني”.. تماما!. وإن كنت أعتقد أن الأمر يستلزم أمراً صحياً تفصيلياً خصوصاً بالنسبة للعمالةِ الذين يعملون عندنا تحت حمم الشمس، فخمسون درجة مائلة الإسقاط أقل شراسة وضرراً من خمسة وأربعين درجة عمودية شاغولية مباشرة على قمةِ الرأس.. وخمسون درجة في النهار في أيام الطوز أو السموم غير الخمسين درجة في رطوبة الدمام وجدة، ولا هي مساوية بأية حال بخمسين درجة في جفاف الرياض أو مكة..
فالأمرُ ليس قراراً مكتبياً، بل يجب أن يكون قرارا علميا صحيا طبيا.. وبذا فإن الأمرَ يستلزم جدية أكثر من مجرد قرار مكتبي، فمع سريان هذا القرار الآن كخطِّ احتراز، من المنطق العادل أن تشكل لجنة طبية وإدارية وقانونية، وربما كان لمجموعة حقوق الإنسان دور المراقب، لوضع الآليات ووصف الظروف التي يجب أن ينقطع فيها العاملون عن العمل عندما يشكل تهديدا صريحا على صحتهم، وربما حياتهم.. والعاملون لدينا يجب أن نفهم أنهم ليسوا فقط مستأجرين يعملون مقابل ما نعطيهم.. لا، المبدأ هو أنهم مؤتـَمَنون عندنا، بأن يعودوا لبلادهم أصحاء كما جاؤوا أصحاء، إلا إن كانت ظروفٌ لا شأن لنا نحن بها وفوق إرادتنا.
وهذه رسالة من أم، وهي رسالة صافعة حقا، واحدة من رسائل كتبتها أمهاتٌ حول ما تعرض له أبناؤهن وبناتهن أيام الامتحانات من ظروف الحر الشديدة.. وتقول: هل تصدق أن بنتي الصغيرة تقول لي: يا ماما في الامتحان تمنيت أن أموتَ وأن أذهب للجنة!” وتقول الأم، إنها هلعَتْ من تفكير ابنتها، وردّتْ بغريزةِ الخوف والحب على الضَّنى: “اسم الله عليك يا بنتي، ولمَ هذا التفكير؟” ردّتْ البنتُ بعفويةِ الشعور: “لأني كنت عطشانة مرّة، ولا فيه أبدا ماء بارد في القاعة ولا المدرسة، وأعرف أن في الجنة ماء الكوثر بارد مرة..” فاشتهَتْ الصغيرةُ الجنة من أجل شربةِ ماءٍ بارد..
وأعلن من هنا أن المجتمعَ، وأتحملُ مسئولية ذلك، كفيلٌ بتزويد كل مدرسةٍ بثلاجة ماء أو اثنتين فقط من تأثير سماع جملة تلك البنت، فكيف نرضى أصلا أن لا نمكِّن أولادَنا وبناتنا، وأيام الامتحانات، من جرعةِ ماء.. أين يحدث هذا؟ وأنك تتعب من الأسئلة، لأن أسئلةً ساذجة تقتلُ النفسَ العاقلة إن أُجِيبَ عليها أو حتى لم يُجَبْ!
وها هي أمٌ تكتب أن ابنـَها جاءها ليروي لها حكايته، فالولدُ يشكو عارضا صحياً، وتصوّروا ضغط ظروف أسئلة الامتحان والقاعة تحولت إلى مخبَزٍ من الحرارة، فكاد الولد يفقد الوعي، فقال له المشرفُ المرَبِّي: “أُصبُرْ على الحرّ، وتصور حال الفقراء الذين ليس عندهم مكيفات!!” هل هذا منطق؟! هل المدارس بُنيَتْ من أجل أن يتعلم الأطفالُ كيف يعيش الفقراءُ في الحر، إن كان كذلك فسنوافق بشرط أن تدلونا أين كُتب ذلك في النظام، أو في فلسفة التربية..
ثم لمَ توجد مكيفاتٌ أساسا لا تعمل إن كان الغرَضُ جعل التلاميذ يشعرون بالحرارة من أجل الإنسانية؟ على أن الطفلَ كان بوعي منطقي، فردّ: “إذن يا أستاذ فلنتبادل الكراسي!” فالطفلُ يعلم أن المكيفَ يعمل هادراً في مكتب المشرف!.
وأسأل قبل أن أغادر: هل هذه أشياء صغيرة؟ وإن أورثـَتْ أشياءَ كبيرة؟ أطفالٌ لن ينسوا أن القاعة فُرن والمكيفات تُصَف بالحائط، سيكون هذا تصورهم ليس للمدرسة فقط بل للبلد.. فهل هذه أشياء صغيرة؟!
طيب، لو اختنق الطفلُ لضيق الرئة؟ هل هذه أشياء صغيرة؟!