سلامة الطرق

سنة النشر : 27/05/2010 الصحيفة : اليوم

 

.. هذه رسالةٌ تمسّ موضوعاً محزناً ومؤلماً، وهدفها التحرر ما أمكن من مسبباته ودواعيه. تأتي الرسالة، وسط عاصفةٍ ترابيةٍ مظلمةٍ هوجاء، كعمودٍ من نورٍ يبدّدُ الترابَ والظلام.. ولها جوانبٌ أخرى، مثل أن يكون عندك حزام إنتاج لمنتج بذاته، ثم تكون المنتجات الجانبية الخارجة من الحزام بالتلقائية الحتمية بمثل أهمية المنتج الرئيس.

الرسالة من جراح استشاري في مستشفى أرامكو، وهنا منتجٌ جانبي هام.. فلطالما كان من أكبر آمالي أن يشارك الأطباءُ والطبيبات السعوديات في العمل الاجتماعي الإنساني، ولو مع مرضاهم، كي لا يستغرقوا في التيبّس العلمي حتى الغرق.. أطباءٌ تخفقُ قلوبهم عاطفةً ورحمةً وعملا مبادراً إنسانيا، لا قلوباً تنبضُ تشريحياً بالوظيفةِ الحيوية فقط..

وهنا استطراقٌ أتقدم به للأخ الدكتور مدير عام الشئون الصحية بالمنطقة، وللإخوان مدراء عامّي المستشفيات، بأن تتكون رابطةٌ داخلية للعاملات والعاملين الاجتماعيين بالمستشفيات لتفعيل الدور الحقيقي والإنساني لهم مع المرضى، والنظر في أمورهم هم حتى يتمكنوا من أداء الدور المهمِّ جدا، وسيأتي لهذا حديثٌ آخر..

أترككم مع الرسالة التي وصلتني بالإنجليزية، ووضعتـُها بالعربية في أهم مقاطعها:

«في البداية دعني أقدم لك نفسي: أنا الدكتور «كامل محمد عبدالوهاب سلامة»، أعملُ جرّاحا استشاريا في مستشفى أرامكو منذ ستةٍ وعشرين عاما، وخدم والدي هذه الشركة لمدة سبعة وأربعين عاماً، وأما جدّي الذي قـَدم من مدينة «جدة»، فقد كلفهُ الملكُ المؤسس عبد العزيز في الثلاثينيات من القرن العشرين بتأسيس أول مكتب بلديةٍ في المنطقة الشرقية.

لقد نُصِحْتُ بأن أكتبَ إليك عن موضوع لا يجعلني أعيش هادئ البال، بل يزرع الروْعَ والحزنَ في قلبي وقلوبِ زملائي من الأطباء الجراحين لِمَا نضطر إليه بالتعامل الجراحي اليومي مع المشاهد المريعة لضحايا حوادث الطرق. وبما أنهم في غالبيتهم من طلائع الأمة، فهي إذن كارثة على مستوى الأمة كلها.. وما زالت تأكل في هذه الأجساد الغضّة بشراهةٍ بلا حدّ!

تعلم أن معظم طرقنا السريعة بُنيَتْ منذ أكثر من ثلاثين عاما، وجرتْ عليها عواملُ التقادم والاستهلاكِ والتردّي من أثرِ الاستخدام المتزايد الاستمرار، وبفعل الشاحنات الجوّابةِ بأحمالٍ فوق الوزن المصرَّح، والأدلـّةُ: جراحُ الطرقِ شاهدةً للعيان. ولحق هذا التهالكُ الجسورَ والمعابرَ بسبب ذات العوامل.

وصدقني إنها مسألة وقتٍ قبل أن تتهاوى هذه الجسورُ والمعابرُ مسببةً خسائرَ فادحة. أحاول أن أتذكر ولو مرة عن فرَقٍ وإجراءات صيانة دورية لهذه الطرق والجسور فلا أستطيع أن أستعيد شيئا، مما جعلني في الأمس أدخل موقع وزارة المواصلات الالكتروني وأضع فيه كل ما يقلقني، وأتوقع أن لا يأتيني تعقيبٌ ولن أجد سوى الهباء.

أكتب إليك مُزْجياً كل قلقي مشفوعاً بطلبٍ أعتقد أننا نستطيع أن نحققه معاً وهو النهوض بوعيٍ، ليس فقط بين الناس بل حتى المصالح الرسمية، لندركَ مدى حجم الخسائر الحالية، وكي نمنعَ ما قد يكون من الأخبار العاجلة التي عادة ما تكون كارثية.»

انتهت رسالة الاستشاري الجراح «كامل سلامة». واقترحتُ عليه أن يجتمع بأقرب وقت بالمهندس «طلال الحريقي» الخبير المتطوع هندسيا وبرمجيا وإحصائيا في مسألة سلامة الطرق في «جمعية أمهات وأقارب ضحايا حوادث الطرق»، ولعل دخول العقل الطبي الجراحي الإنساني في حملة «وعي القيادة وسلامة الطرق» يفعّلُ ذلك من جوانبٍ لم يصلها مبضعُ الجراح من قبل..

ونعدك جميعا يا دكتور سلامة أن نبدأ معا مسيرة السلامة!