العمل الخيري المستقل

سنة النشر : 23/05/2010 الصحيفة : اليوم

 

.. لا يمكن لناشئتنا أن تنافس ناشئة العالم في ظل آلية تعليم مرسومةٍ من عقود، وبداخلها سلاسل غير مرئيةٍ أقوى من حبال ربط السفنَ في المراسي، تمنع العقلَ الصغيرَ من الإبحار في الخيال وترييض خلايا الذكاء، وإيقاد مشاعل المواهب.. ويمكننا أن نجعل عقولَ صغارنا تتفوق مع ناشئةِ الدنيا، لو نظرنا حولنا وليس بعيدا عنا..

أحضرُ كمشارك وكمدعو لمناسبات المدارس الخاصة للجاليات الهندية والفلبينية والباكستانية وأجد الأطفالَ ضليعين في اللغة الإنجليزية والعلوم وتقنية المعلومات، وتنمية الشخصية الفردية ببراعةٍ وصنعةٍ تربويةٍ محترفة (رغم ضعف الموارد وإعداد والمرافق) بينما يخرج أبناؤنا من الثانويات ضعيفي القدرة في لغتهم بلـْه اللغة الأجنبية ( اللغة الإنجليزية لم تعد لغة لأمةٍ بذاتها بل صارت لغة العالم).. يجب أن تسأل هذه الأمة نفسَها سؤالا استنكارياً: لمَ يخرج أبناؤنا من الثانويات مهتزين، بلا أدوات عملية، بلا اقتحاميةٍ لمجالات الأعمال؟ أو.. لماذا يدخلون المدارسَ أطفالا، ويتخرجون منها.. أطفالا؟ لو أدركنا السؤالَ، وحدّدنا الإجابة لأمكننا صياغة العقول الصغيرة لتجوب الآفاق.

ولا يمكننا أن نستفيد من مجلس الشورى بأكمل استفادةٍ، وهو عقل الأمة وضميرها، متى كان تصب به محددةً المواضيعُ فلا يخرج منه إلا ما دخل إليه.. ولكن يمكننا أن نستفيد استفادة تاريخية ومصيرية من مجلس الشورى متى تأملنا آلية الطبيعة، فتركنا المجلسَ حرّاً كالنهر ينبع بلا قيد ويصب بلا قيد، ولكن مسارَ ضفتيْهِ محددٌ سلفا وحتما من المنبع للمصب يغذي كل أرضٍ يمر حولها، ولو خرج عن المسار فاض وأغرق.. المجلسُ يجب أن يختار منابع مواضيعه ولا تـُحبس آراؤه إلى مصابها.

لا يمكننا حقا وواقعاً أن نقول أن لدينا مجالسَ بلديةٍ حقيقيةٍ.. وألاّ، أينها؟ أين ضجتها السابقة؟ أين شعارات حملاتها؟ أين حماسة أعضائها؟ ماذا حدث لكل مدينةٍ بها مجلس بلدي من تغيير دراماتيكي أو حتى ضئيل صغير يُحسب في مجاري التغيير والتطوير؟ شيءٌ ما طمَس التجربة، وأدخل مقلعاً استلّ الحماسة. طلاءٌ داكنٌ غطى النورَ الأبيض الذي كنا نأمل أنه سيشق عتمةَ الروتين.. ويمكننا أن نفعّل المجالسَ البلدية فهي من أفكار التنظيمات المدنية العبقرية، متى أعطيناها الاستقلالَ الكاملَ، وانفتحت على المجتمع والإعلام، ومتى حدّدَتْ ما تريد وما يريد أهالي المدن، ومتى ما تعودَتْ المجالس أن تقدم كشوفاً مثل كشوف الحساب لما وعدَتْ أن تنفذ، وكشوفا لما أُنجِز طبقا للعهود.. والذي لم يُنجز، والأهم المصارحة بأسبابِ الإعاقة وموانع الإنجاز.. بدون ذلك، فلنصافح أعضاءَ المجالس البلدية شاكرين.. ومودّعين.

لا يمكن أن أنتهي.. فلم أتطرق لضبط الأسواق والأسعار، ولا للمجلس الاقتصادي، ولا لمسألة العولمة، ولا لقضايا وحدة الأمة، ولا المجلس الأعلى للبترول، ولا لثروات ناضبةٍ أخرى كالماء، ولا للتخطيط، ولا لروح القطاع الخاص ودور مقيّد عظيم يمكن أن تؤديه الغرف التجارية، ولا لتنمية الروح العصامية كحل عضويٍ للبطالة، ولا للربط والضبط للهرمونات الفائرة عند مراهقي الأمة، ولا للعدل والمساواة، ولا للفقر وربطه بالفعل الخيري الأهلي المستقل، ولا للأسرة وإدارة مسألة العنف والاستغلال، ولا للجريمة، ولا لصيانة المرافق العامة، ولا لتنمية المعرفة العامة والمكتبات العامة، ودور النوادي الأدبية.. ولا لعنصر رئيس جدا وهو تعظيم ثروة الأمة، وحسن استغلالها..

ولكني أترككم كي تتصوروها مع أنفسكم، ومع حبكم لكل ترابةٍ من أرض هذه الأمة، وحبكم لكل نفسٍ تسيرُ على هذا التراب! .