أمطار

سنة النشر : 29/04/2010 الصحيفة : اليوم

 

الإيمانُ بالذاتِ سيجعلنا في أحسنِ حالٍ، وينقلنا إلى عالم أفضل، وأن المستقبلَ سيأتي بالفرح والخير والنجاح، متى حملنا الإيمانَ والعملَ كطرَفـَي عصا توازنٍ في هذه الحياة، فإننا سنبلغ محطتـَنا وسنحقّق هدفـَنا.. ثم سنتساءل واثقين: وماذا بعد؟ نحن مستعدون!

الإيمانُ حالةٌ ذهنية، قبل أن تكون حالةً روحيةً صِرْفة، فالإيمانُ ليس مجرد وجْدٍ صوفي يكون هو الوسيلة كما أنه الغاية. الإيمانُ حالة ذهنية تقودنا إلى اليقين بأن في الكون دافعا وحافزا للإرتقاء متى آمنا بوجودِهِ ونحن نعمل.. اليقينُ الذي يجعلنا نصدّق بعقلِنا ووجدانِنا بأننا متى عملنا مخلصين فلا بد أن نُكافأ.. فنسير مطمئنين. الإيمانُ، كحالةٍ ذهنيةٍ، ضد الشكوى، ضد التذمّر، ضد الحِقْدِ، ضد الحسَدِ، لماذا؟ لأنها أشاعير سوداء تقود إلى.. لا شيء. بل أسوأ، فإنها تضع أغلالاً على طموحاتِنا فتـُقعِدنا عن العمل من أجلنا، لنكون موجهين طاقاتِنا سلبياً على من نحقد عليهم و نحسدهم، وليت أن الأمرَ يقف عند ذلك، بل ان طاقاتِ الحاسدين السلبية تنقلبُ طاقاتٍ متفجرةً ودافعةً لمن يقع عليهم الحسـَدُ، فكأن الحاسدين ساهموا بنجاح المحسودين أكثر، فوُضِعـَتْ إذن أغلالٌ على أغلال.

علينا أن نحصد من الإيمان، لما زرعناه بذوراً في أرض نفوسِنا، وارواحِنا، وعقولِنا وضمائرِنا. أولُ ثمراتِ هذا الحصاد التفاؤلُ الراسخ بالوثوق بالذات، بأن الواحدَ منا قادرٌ على إنجاز ما يريد، عندما بالفعلِ يُريد..

ولقد أذهل الأخُ الحبيبُ «عبدالرزاق التركي» الحضورَ في منتدى «أمطار» بالرياض مساء الأحد الماضي، والحضورُ فئةٌ نابهة من أعضاء الدولة البارزين، وأعضاء مجلس الشورى، والمختصين، والعاملين المهتمين، والكُتـّاب المعروفين، ورؤساء التحرير، ورجال الأعمال، وأساتذة الجامعات الكبار.. وهو يقول: «استطاعة الإنسان بلا حدّ، كل ما اعتقد المرءُ أن شيئا نقص منه، أو نقص فعلا، سيشعرُ، لما يملك الإيمانَ على التحقيق، أن حدودَ تلك الاستطاعة زادتْ واتـّسَعَتْ حتى لا ترى لها أفقا.»

وطارتْ أخبارُ اللقاءِ في وسائط الإعلام، وأُطلِقـَتْ على «عبدالرزاق» الصفاتُ، حتى أن جريدة الشرق الأوسط كتبتْ: « تستضيف «أمطار» أشهر كفيفٍ في العالم العربي.» في اليوم التالي تلقيت اتصالاً من امرأة:

· أنت فلان؟

· نعم.

· خُذ ولدي مشعل فهو كفيفٌ في العاشرةِ من عمره.

مشعل: وصلني ما كُتب بالصحفِ والمنتدياتِ عن ما قاله عبدالرزاق التركي عندكم في «أمطار»، ثم شاهدته يعلق على تلك الأمسية في برنامج «صباح السعودية»، ورأيته رجلاً جميلاً. علمني أن الإيمانَ بالقدراتِ هو السرّ الحقيقي للنجاح بالحياة.

· ولكنك يا بني لا ترى، فكيف رأيته جميلاً؟

· إنك، يا عمِّي، لا تحتاج أن ترى الأصالةَ بعينك.

فبكيتُ، وكان إكمال المكالمةِ جُهْداً جهيداً لمغالبة الدموع.

ولم يتركني إلا بعد أن أعطيته وعداً قاطعا أن نلتقي على غذاءٍ معه، فمازحته:

· موافق، ولكن من يدفع الفاتورة.. أبوك؟

· بابا مات قبل شهور.. وأنا الآن المسئولُ عن ماما.

آه..

وأعطيتُه وعدي ونيابة عن عبدالرزاق.

أترون؟ الإيمانُ في القدرةِ الذاتيةِ حالةٌ ذهنيةٌ وضميريةٌ ووجدانية، وتعانقٌ حيويٌ مع اللحظةِ في الوجود. لذا فإن «مشعل» ذلك الفتي الكفيفُ الصغير، سيحلـِّق في سماء الإنجاز، لا.. بلْ انـّه فعَل!

«مشعل» علمني درساً من دروس الحياة وهو أنه بالقلبِ يستطيع أن يرى الإنسانُ الأشياءَ بجوهرِها.. وأن جوهرَ الأشياءِ غالباً ما تتوارى عن العين.

وللشبيبةِ الطالعةِ: المرءُ إما أن يفوز أو يخسر، لا شيء وسط بينهما. لا خيار إلا الفوز. الفوز لا يجعلكم فقط آمنين سعداء، بل يجعلكم أحيـاء..