الجمعية السماء

سنة النشر : 07/01/2010 الصحيفة : اليوم

 

«جود».. جادكِ الغيثُ إذا الغيثُ همى.. «جود» أسميها اليوم «الجمعية السماء»، أو أن لها من آلية السماءِ اقتداء. وما نحن في وجودِنا العام إلا تضافر وانعكاس وتشابه مع قوانين الكون ومظاهره وظواهرهِ ونواميسِهِ.. ومن مظاهر السماءِ أنها صفحة تمتدّ من آفاقٍ لآفاق، وتشعّ تحتها النجومُ. والسماءُ الحاضنة بكبرها وجلالها، تتوارى حدباً وعظمة مقدارٍ في تواضع الشواهق من بناءات الكون، لتتيح لمن تحضنهم أن تُشْرِقَ وتتلألأ أنوارُهم ولو غطست هي في الأبعاد..

ألا نرفع رؤوسَنا في ليلةٍ صافية، وقناديلُ السماءِ الصغيرة تومض في غطسةِ الفضاءِ السحيق، فتتلهف أرواحنا المتشوقة لملامسة الجمال الخلاب، والعاطفة المتحدة مع الوجود فنتنهد قائلين : «ياه، يا لروعة النجوم.»؟ّ هل نسينا السماءَ؟ لا، ولكن السماءَ اختارت أن تكون حاضنة النجوم فهي تبرز نجومَها، من خلال تواريها..

على أن كلٍّ منا متى ذُكِرَتْ السماءُ رنّ في جوانب كينونتنا صدى الجلال.. «وجود» الجمعية التطوعية بالدمام اختارت آلية السماء، فقدمت الاحتضانَ لأعمالٍ متعددةٍ، وهذه الأعمالُ هي أرواحٌ شابةٌ من فتياتنا ونسائنا العاملات، شابة بالروح، وشابة باستدامة ذروة العطاء.. كل منها تتطلع لعمل تطوعي يعود خيرُهُ، وترجع نتائجُه، للمجتمع، للناس، من واقع المحبة الخالصة، من واقع شعلة الإنسانية والخير والعطف، ورفع القيمة الروحية والنفسية والعقلية لكل فردٍ بهذا المجتمع.. وهذا الاحتضانُ لا يتلقى المحضونون بهِ دلالاً ولا مسحاً أليفاً على الرؤوس، كلا، إنهم يريدون الاحتضانَ من أجل أن تندفع طاقاتُهم، أن تظهر أعمالـُهم، أن يُسْمَح لهم بأن يتعبوا، يشقوا، يكدّوا بلا مقابل إلا من أجل الله في أول مقام ثم من أجل الخير هدفا وموضوعا وظرفا.. إنها أرواحٌ ملائكية تلبّسَتْ أجساداً بشرية فترفـَّعَتْ ثم رفعَتْ..

تصوروا، فقط تصوّروا، لو أن كل هذه الطموحاتِ، كل هذه الأعمال، كل هذه الطاقات، كل هذه النوايا، كل هذه العبقريات في الإبداع والابتكار والعطاء، كلّ هذه العاطفة المتلهفة للعون، للغوث، لمدّ الأيادي لانتشال الغارقين في طين مشاكلهم، وصعابهم، وتأزمّاتهم، وابتلاءاتهم.. أيادٍ أخذت عهدا بأن لا تدع أحداً يغرق، بل أخذت عهودا بأن تجعلهم قادرين على السباحة حتى لا يمكن أن يغرقوا مرة أخرى..

لو لم تجد هؤلاء الفتيات وتلك النساءُ مخرجا لكل هذا الفوران الملوّن بأجمل ما في الخامةِ الإنسانية من ألوان السموّ والشفافية واشتعال الحسّ بإحساس الآخرين.. كنت سأتصور أنا أنهم لن يُحْبـَطوا فقط، ولكنهم عندما لا يجدون مخارج لكل هذا الزخم المجيد فهم سيذوون، وسيذوون.. حتى لا يبقى شيءٌ منهم يكون قابلاً أن يذوي.

«جود» بعقلياتِ القائمات على إدارتها، نظروا إلى السماء، كما ننظرُ نحن كل يوم، ولكنهم نظروا في آلية السماء الاحتضانية لنجومها، لسدُمِها، لشهُبـِها، لكواكبـِها، لمجرّاتِها، وعرفـْنَ من أين يبدأن، وسيعرِفـْن إذن إلى أين سينتهين.. قرّرتْ هذه الجمعيةُ السماءُ، أن تحتضن عدّةَ فرقٍ تطوعيةٍ نسويةٍ وتقدم لهنّ الغِطاء، وإظهار الكيان القانوني، بعد أن كانت مجرد أفكار وأعمال مجهدة بلا سقف، أفكارٌ وأعمالٌ كأشباحٍ هائمةٍ، وعندما تتلبسُ الأفكار والأعمال بالكيان المنظًّم تشرقُ أفضل إشراق.. وهنا لمعة آلية جود، قبَسٌ من آليةِ السماء.. تركت «جود» نجومها تضيء وتشرق.. لنقول نحن في كل مواقعنا: « ياه.. ما أجمل النجوم!»