سنة النشر : 02/01/2010 الصحيفة : اليوم
.. الإنسانيون الحقيقيون ليسوا هم من يطالبون للإنسانية بحقوقِها، أولئك هم الإنسانيون المنظّرون، والواعظون. الإنسانيون الحقيقيون هم الذين يحققون للإنسانية مطالبها بكرامة المعاش والسكنى والكساء والطعام والعمل.. هؤلاء هم ثورة الضمير البشري على مرّ العصر، من يجعلون الأحلامَ من مادة الواقع الصريح. العاملون في الميدان هم الإنسانيون الحقيقيون، هم ضميرُ المجتمعاتِ منذ عُرِفَتْ المجتمعات.
ولدي نماذج تجمعت في يومين مرهقين عملاً، ولكنهما علماني بوضوحٍ شاهق معنى أن تكون إنسانيا حقيقيا. رأيت هؤلاء الإنسانيين الحقيقيين بكثافة في مكان واحد، بمدينة واحدة، بزمنٍ واحد.. فانتشيتُ، حتى ارتفعت آمالي وتفاؤلاتي بأن من يصنع الأمة هم ناسها الكثيرون، وليسوا مجموعة أفرادٍ مختارين.
النموذجُ الأول: في صالة «الأندلس» بالدمام ليلة الثلاثاء الماضي: كان حفلُ التنسيق وتبادل التجارب في التجمع الرائع والمنظم لحفل الأعمال التطوعية النسائية في المنطقة، ودُعِيتُ خطيباً أوحد من الجنس الآخر، وعُزلت وحيدا، كما في مشهد أفلام هتشكوك أو المخرج السويدي الشهير بيرغمان، أو من مسرحيات العبثية لصموئيل بيكيت، بصالةٍ واسعةٍ وفي زاويتها البعيدة طاولة يتيمة وكرسي وكاميرا.. وأنا. وتحدثتُ عن القدرة الإلتزامية عند المرأة، وقوة ارتباطها بما تؤمن به حتى النهاية، وأن أنضج ظهور لعمليات التطوع الإنسانية كان على يد المُمرضة المسلمة في حروب الإسلام، ثم الممرّضة الغربية في نهايات القرن التاسع عشر، والأم تيريزا، وحكيتُ قصصا كثيرة.. في حين أن أكثر القصص التطوعية واقعية هي التي تجري بجانبي في الصالة المجاورة، حيث تجمعت عشراتُ الإنسانيات الحقيقيات!
النوذج الثاني: الدكتور الإنساني العامل «عبدالله بن حسين القاضي»، الذي بادر بدعوةِ رئيس وأعضاء لجنة الشئون الاجتماعية والشباب والأسرة في مجلس الشورى ليطلعوا على منجزات الجمعية، وكانت وقفة الإعجاب بادية منهم أمام مشاريع إنمائية، كمشاريع إسكان الأمير محمد بن فهد الإنمائية، والإنماءُ هنا يقع على الإنسان لا على الحجر، فهناك فلسفة إنسانية وعملية وتطويرية مجتمعية في مضمون فكرة المشروع لعل الوقتَ يحين لذكره.
وتبادل الزائرون مع الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد نائب أمير المنطقة الشرقية الآراءَ حول قيمة الأعمال الإنسانية. وكانت فرصةً مفرحة لي أن أجتمع بعد انقطاع مع فضيلة الشيخ «محمد بن زيد آل سليمان» الذي تولعت به من أيام طفولتي الأولى كأول خطيبِ جمعةٍ في حياتي، وهو أول من تعلمت منه بدون أن يدري جمالاتِ ومنطق الدين الإسلامي الذي يساعدني في حواراتي مع الآخرين في الضففِ المقابلة.
النموذج الثالث: بناتُ وشباب أعمال جمعية الأعمال التطوعية بالدمام الناشئة، والتي بزغت كبيرة وستضم كل محفل تطوعي يريد الانضمام، أو مساعدة كل عمل تطوعي يريد أن يمشي سويا على قدميه.
النموذج الرابع: مجلسُ أمناء جائزة الإبداع في حاضرة الدمام، وهم عقولٌ سبق أن أخبرتكم عنهم، وقد طلب منهم أعضاءُ مجلس الشورى، ومن الرئيس التنفيذي لجمعية العمل التطوعية «نصائح ومساعدات» في أنظمة تدرسها الجمعية، فانظر إلى التلاحم، والمعرفة المتبادلة، والتواضع في طلب النصيحةِ والمعلومة.
النموذج الخامس: الشيخ «محمد الخميس» ومركز حي الروضة الأنموذجي توأمان سياميان.. وحان الآن أن ينطلق التوأمُ المؤسس الأستاذ محمد الخميس بمشروعه الأنموذجي على كل أحياء المدن في المملكة، وبرأيي، وبرأي كبار الزوار، بأنه واحد من أنجح مشاريع الأحياء التي رأوها، خصوصا في مسألة توظيف طاقات الشباب والبراعم.
النموذج السادس: أنتم.. مجتمعي.. مجتمعنا!