الانتصار

سنة النشر : 26/12/2009 الصحيفة : اليوم

 

.. كان صباح الخميس الفائت صباحا جميلاً غائماً، وقد سبقه أمسية رشّ مطرٍ فأشرقتْ المدينة بنور الشمس وهي تجلي انعكاساتِ تجمعات الأمطار لتؤطر الحسّ الجمالي العام بتفاؤل بفصلٍ قادمٍ مليء بالوعود، والمواسم، وانبلاج الخضرةِ من ضمير البراري.. على أن عدة أشخاص ومحبِّيهم صحبهم ذاك اليوم الشعورُ الغامرُ بالانتصار، ولعل جمال ذاك الصباح جعلهم أكثر تفاؤلا، وأكثر حرصا على ان يكون كاملُ المجتمع بذات الغبطة والحبور و.. القدرة على تلمس الجمال.

أجد نفسي فرحا مغتبطا لمن فازوا في انتخابات الغرفة، وهم الأشخاص الذين تأججت سعادتهم صبيحة ذاك اليوم، ونزفّ لهم من القلبِ التهنئة بالفوز، عملوا من أجلها فحصلوا عليها. ونفرح بأن مجموعة من الشبابِ الطالع ضمن هذه الفئة التي ستتبوأ عضوية في مجلس الغرفة للدورة القادمة.. ونأمل أن يحدثوا نقلةً عصريةً ونوعيةً واجتماعيةً للغرفة.

هذه الغرفة التي نودّ أن تكون رائدةً في المنطقة ليس فقط في العمل الاقتصادي بل بالمساهمة الاجتماعية الفعّالة، ولن نستكثر أن يحدثَ هذا، فلغرفةِ الشرقية أعمالٌ سابقة وتطلعات للعمل الخيري والاجتماعي، ولكنها تحتاج للمزيد وبتضافرٍ من المجتمع المحيط وأعضائه.. يُقال إن رجلاً كان مسترخيا فوق صندوق، فمر به عابرٌ وسأله: «لمَ أنت مسترخٍ هكذا؟» فرد عليه: «شعرتُ بالجوع ولا مال لي فقعدت أستريح».. فقال له العابرُ: «ألم تحاول أن ترى على الأقل ما في الصندوق الذي أنت جالس عليه؟».. فقلب الرجلُ الصندوق ووجد أن فيه ذهبا.

نحن نملك صندوقاً عظيماً هو مجتمعنا، وذهبُهُ هو الشباب، ومن حسن حظِّنا أن الصندوقَ يفيضُ بما فيه من خير، فإذا فتياتنا وأولادنا يملأون ساحاتِ العمل الاجتماعي والخيري وكأنها مسابقة نحو واحدةٍ من الصرعاتِ التي تعمّ فتنتشر.. فصارت عدوى، ولكن عدوى حميدة تتناقل بين القلوبِ والأنفس في منطقتنا، حتى صرنا نلهثُ تعباً وراء أعمال الشباب التطوعية فنسقط بالطريق وهم ماضون.

وكل ما علينا أن نساهم في الصندوق بموجوداته، بتحفيزها، بتفعيلها، بتعظيم نتائجها. لدى رجال الأعمال الذين فازوا تطلعات ووعود قدموها، وهم سيعملون على العمل بالإيفاء بها، وكثير من الوعود حملت صبغة نهضوية اجتماعية تخص ناسهم ومُدنَهم، ويعرف أهلُ الأعمال أن أقوى عنصرٍ يملكونه هي السمعة الموثوقة، والسمعةُ الموثوقة تعني الوفاء بالوعود .

لا أظن أن رجالَ الأعمالِ الفائزين هم في الغرفة من أجل الهدف التجاري مباشرة، وليس في ذلك حصافة، نعم هم مع مصالحهم وهذا طبيعي، ولكنهم يعرفون أن كسبَ صداقة ومحبة المجتمع هي أول شروط النماء التجاري. بإنسانيتهم، برغبتهم الحقيقية، بإيمانهم بالثواب والأجر، وبفهمهم المنطقي العملي، لا أرى إلا أن القادمين، المتجدِّدين والجدُد سيواصلون طريقاً بدأوا برصفِهِ لنسير عليه جميعا معهم إلى نفس المحطة التي يسعون للوصول إليها: النجاح. نجاحٌ ضد خصومنا: الفشل، والتأخر، والفقر.. والأنانية.

ويعلم رجالُ الغرفة أن الفقراءَ، والمحتاجين، والعاطلين، لن يكون بمقدورهم تلمّس الجمال.. فهذه اشياءٌ تجعل فوق الجمالٍ غشاءً غليظا بشعاً لا يشفّ عن عنصر من عناصر الجمال، عليهم وعلينا جميعا رفع ذاك الغشاء.. كي نغتسلَ جميعاً ابتهاجاً تحت المطر!