سنة النشر : 15/10/2009 الصحيفة : اليوم
.. أسفرَتْ ندوةُ الدكتور «مسفر القحطاني» مساء الثلاثاء الماضي عن مشروعٍ مهم، سنعود إليه لاحقاً.. في الندوةِ التي أقامها الدكتورُ القحطاني ضمن فعاليات صالونِهِ، تبين أن العملَ الطيبَ عدوى، وتبين أن صفة «عدوى» ليست بالكلمةِ المخيفةِ إلا إن بثـَّها أمرٌ مخيف، وهي صفةٌ في غايةِ الجمال والتألقِ والنفعِ متى انبعثتْ من أمرٍ كريم، من باعثٍ يحمل صفةَ النفع والخير للعموم. إنها العدوى التي وصفها الحديثُ الشريفُ بأنها سيئة إن جاورتَ نافخ الكير، وهي سائغة حميدة عطرة متى جاورتَ بائع المسك.
ولسعدي الشاعر الفارسي العظيم قصيدة منها ( نقلاً عن الانجليزية) : « سألوا قبضةً من الطـِّينِ: ما أنتَ؟فأجابَ بطبعِهِ الغافي: ما أنا إلا قطعة طين. ولكن كيف تضوع منكَ عبيرُ العطورِ؟ «هنا السرُّ»، ردّ الطينُ. لقد كنتُ طيناً للزهور!» لقد كان الجمعُ في الديوانيةِ ليس شكلا تقليديا، ولا نمطاً إلقائيا، بل كان عملاً شبابياً يتحدث عن عملٍ شبابي.
أنظر، مثلاً، أن التنظيمَ بدأ بعملٍ شبابي من الخطوةِ الأولى، فقد مالَ علي الدكتورُ مسفر، وضحكته تضيء وجهاً كان في الأصل مضيئا، ليقول: «لقد اتصل بي أعضاءُ فريق «وجهة» الشبابي وطلبوا مني تنظيم الحفل».. وهنا سرّ الشباب: أنهم مناخٌ يحمل ريحَ عبير الزهور، أنهم ينتقلون بالطين الإنساني إلى مقام أسمى ليجعل الزهرَ يفوح بسرِّه للعالمين.
وسرّ الشباب هي تلك الطاقة التي تحرك مولدات العمل الاجتماعي والخيري والتطوعي والابتكاري. الطاقة التي تحرك القاطرة التي ستجرّ كل عرباتِ الأمّةِ من ورائِها. لذا رأينا كيف كانت مجموعاتٌ عمليةٌ تطوعية شبابية بدأت بأعدادٍ قليلة، وبجهودٍ متواضعةٍ، لتتشعبَ أعمالا، وتتزايدُ أعداداً، وتتضاعف إنتاجاً، حتى أن المراقب لن يستطيع التقاط النفَسَ وراء النفـَسِ من فرط دهشتِهِ بفورةِ هذا النمو.. وإني متأكدٌ أن الحضورَ مهما توقعوا وسمعوا من أعمالِ وإنجازاتِ الشباب، إلا أنّ ما رأوه أمام أعينِهم فاق كل توقعاتهم. ومع ذلك لو سألتَ الشبابَ لقالوا: ما زلنا في البدايةِ، لتوِّنا وضعنا الخطوة الأولى.
والشبابُ متى وثقنا نحن بعقولهم فهم الذين سيحلـّون أكبر ما نواجه من قضايا: قضايا الشبابِ أنفسِهم! وحدث شيءٌ سميناه في وقته تأريخياً، تأريخيٌ في سِجـِلِّ مدينتين. بزغ في لحظتِها تحت سقف صالون الدكتور القحطاني، ويُسجَّل له ذلك موقعاً وحماسةً وتأييدا، الإعلانُ عن تأسيس «جائزة الإبداع والإنجاز لمدينتـَي الدمام والخبر»، وهو تأسيسٌ مبدئيٌ، وتشكلتْ في التوِّ واللحظةِ لجنةٌ من عقولٍ بارزةٍ في المنطقةِ لإدارة دفـّة الجائزة.
وأوجه شكري إلى القائمين على «جائزة الإبداع لمنطقة القطيف» الذين كانوا أولَ من أقام وأنجزَ هذا المشروع، وهاهي تنتقل كالعدوى بين المدن.. ولقد وقف من آخر الصفِّ هذا الرجلُ البديعُ «سعيد الخباز» صاحبُ فكرةِ مشروع «جائزة القطيف للإنجاز»، وقال فخراً وسعادة: «أنا وكل ما لديّ تحت طلبكم».. ثم جلس.ولكن العدوى كانت قد انتقلت بين الحضورِ كتيارِ الكهرباء.. فاستنارتْ العقولُ والضمائر.
لقد كانت ديوانيةُ الدكتور «مسفر القحطاني» مجرّد طوبٍ ذاك المساء، ولكنه طوبٌ تعطـّر بعطورِ الإنجاز!