سنة النشر : 27/05/2009 الصحيفة : اليوم
.. عندما تهاتفُ السيدة، أم تمام الأخت نعيمة الزامل، فهي لا تستمهل، وتريد أن يكون ما تود أن يصير ، أن يصير بالحال. ومن الصعب أن أرد طلباتها لأنها إما موجَّهة للخير العام، أو للمنشط الاجتماعي، أو لجهود الآخرين.
هذه المرة خرجت أم تمام من السيدة أم «عبدالرحمن العبيد» في مدينة الخبر، وهي سيدة كفيفة فتح الله أمامها الآفاقَ الداخلية، والآفاقُ الداخلية هي أبعادنا الاستبطانية التي عند كل واحدٍ منا، وأكثرنا لا يحاول الكشفَ عنها، بل ان بعضنا وهذا أمرٌ يدعو للحزن والحسرة، لا يؤمن أنها موجودة بهِم في الأصل..
وهنا أهمّ أسبابِ وجود المتفوقين المنجزين، وفي الضفةِ الأخرى وجود المخفقين الخاملين. لم تكد تضع السيدة أم تمام خطوة خارج منزل أم عبدالرحمن حتى بادرت بالاتصال وراحت تحدثني عنها، وكأنها بطلةٌ من بطلاتِ الأساطير، أو مؤسسة كاملة للخير والإغاثة ومدّ العون بخططٍ لوجستية لذوي الحاجة، وكأن الإعجابَ قد فرَط حبلـُه وطار في أجواء المبالغة.. على أن «أم تمام» لم تكتفِ، وطلبت مني أن أتصل بالسيدة أم عبدالرحمن.. ثم أردَفتْ: «حالا!.» ولم أسمع بعد ذاك إلا طنينَ الهاتف في أذني. وهاتفتُ أمّ عبدالرحمن حسب الأوامر.وكانت واحدة من المكالماتِ الهاتفية التي لا يمكن أن أنساها أبدا.
جاءني الصوتُ دقيقاً صغيراً ولكن تشعر بهذه المغناطيسية الداخلية التي حدثتكم عنها بالأمس، تشعر بنهر بسيط سائغ متدفق من العزيمة التي تشق الخنادق، وفي ذات الوقت تجري برقرقةٍ ناعمة وكأنها بالكاد تتماس مع تربة الأرض.
وفي المغناطيسية الذاتية قلنا بالأمس ان قطعة الحديد تحمل اثني عشر ضعف وزنها، هذا هو السرّ: القوةُ من الداخل، والإيمانُ بوجود هذه القوة. أم عبدالرحمن التي لا ترى بعينيها تبصر بقوتها وإيمانها الداخليّيْن مواقع الخير والطيبة والاحتساب الكامنة، وتمكنت أن تكون مصدرا للخير، ومنظـِّما له، وموزِّعا لأعماله.
تصب عند أم عبدالرحمن أموالُ المحسنين وتقوم بتوزيعها تعويضا ماديا على الأسر المحتاجة، ولمن يتقدمون من ذوي الحاجة، ضمن نظام دقيق منضبط لا يختل، وهي لا توزع المالَ نقدا، فلا ترمي السمكَ للمنتظرين على الساحل، وليست مؤسسة تدريبية لتعلمهم كيف يصطادون السمك.. ولكنها تقول للبحر أن يوزع السمك!
كيف؟ لأمِّ عبدالرحمن اتفاقات وتفاهمات مع عشرات المحلات بأكثر من مدينة، وبالتالي فإن صاحبَ الحاجةِ يأخذ حاجتـَه المادية من المحلات بإيعازٍ مسبق وترتيب مالي محاسبي بينهم وبين أم عبدالرحمن، وهي تسمّيها من الذاكرة كل محلِّ حسب التخصص لا تخطئ ولا تخلط.. ما شاءَ الله.
عمل أم عبدالرحمن يزدهر، وهي لا تبرح منزلـَها ولا خطوة خارجه، وتدير هذه الشبكة من العمل الذي يكاد أن يكون كامل التأسيس بلا معونةٍ من أحد، وهي متمكنة ودقيقة ومنفذة لدرجة أن الناس القادرين يرون أنها من الوسائل الكاملة الأمان في استغلال المال للخير، فيُقدِمون تباعاً على الحضور لمنزلها لتسليم ما يقدّره الله لهم، ويعودون مسفري الوجوه، واثقون أن المهمة ليس فقط ستـُنجَز، بل أُنجـِزَتْ بالفعل.
ودرسٌ آخر للجميع تعلمناه من السيدة أم عبدالرحمن، وللهيئاتِ الرسمية: تقدّموا لتعزيز أعمال الخير وإشاعته بين الناس.. وإلا فإن الخيرَ سيعرفُ دائماً طرقاً للوصول.