جمعيات المعاقين

سنة النشر : 11/03/2009 الصحيفة : اليوم


عُقِد يوم أمس في مدينة الدمام اللقاءُ التشاوري لجمعيات المعاقين في المملكة. ويجب أن تـُفَنـَّد كلمة المعاقين هذه، فكلنا في النهاية معاقون في ملكةٍ من ملكاتنا أو أكثر، وكلنا تتفوق فينا ملكـَةٌ أو أكثر.. ويسمَّوْن أيضا بذوي الحاجات، وكلنا من ذوي الحاجةِ، كل من له قدمين يمشي بهما على الأرض هو صاحبُ حاجة.. ومن منا بلا احتياج؟ لا أحد.

إن الفئة التي بها مصاب جسدي، هي واحدة من فئاتِ الأمة، وكل واحدةٍ وواحدِ منهم هو عنصرٌ من ملايين العناصر التي تكوِّن سكانـَها لافرق.. فليسوا هم فئة تـُحبَس أو تـُعَطـَّل أو تستشفي في أماكن محددة، بل هم ناسٌ يجب أن يجروا في الساحةِ العامة للوطن، ويسيروا على طرقاته، ويصنعوا تياراته ومساراته. يقول لي أحدُهم: «نحن نبحث عن حقوقنا».

وهذا صحيح، فهم يعلموننا جميعاً أنه واجبٌ لزم علينا أن نبحث عن حقوقنا، ومن يرضى أن تؤكل حقوقُه فهو يهدر كرامتـَه، ويرخِّصُ إنسانيتـَه.. إلا ان صديقي لم يكتفِ بما قال، فأردفَ واثقاً: «ومن أهم حقوقي أن تـُترك لي الساحةُ كاملة، والمنافذُ مفتوحة كي أؤدي واجبي، مثل الباقين، كامِلاً تجاه وطني».. يا سلام!

من يرثي لحالِه هو المعاق حقا، سواء كان مكتمل الأعضاء الجسدية، أو ناقصها، وهذا النوع لا يرون الشمسَ، ولا يريدون أن ينظروا إليها، فيغطسوا غطسة رأسية في بحر الظـُلمات.. فالاكتمال يعني توهج الروح، وعزيمة الإرادةِ، وقدرة العملِ، وجذوةِ الأمل، وهدير الطموح في الأضلاع، وشعلةِ التفكير في العقول.. وهذا ما اتحّدَ حوله المجتمعون في الدمام يوم أمس، لأنهم يريدون مكانهم الصحيح والحقيقي والصريح تحت شمس الوطن، ولا يريدون الظلام، ولا الظلال الوارفة.. يدهم مع يد الجميع.

فئةٌ راقية فيها من الثقة والبطولة والإيمان.. فئةٌ تنفضُ الظلامَ وتدور مع الشمس. وجدير في هذا السياق أن أشير لمؤتمرٍ مهم سيُقام يوم الثلاثاء القادم في مدينة أبوظبي، برعايةٍ كريمةٍ من الحكومة الاماراتية.. والمحبون هناك والمهتمون قرأوا ما كُتبَ هنا عن «عائشة الحشاش» النابغة والمعجزة الكويتية المصابة منذ الولادة بالشلل الرباعي، وما كُتِب عن «مهند بودية» الذي فقد بحادثٍ أهم عضوين في جسده الساقَ والنظر، فزاد عطاؤه عن ذي قبل أضعافا، وعن المرحوم العظيم الصغير الحبيب «ناجي»..

فسخروا هذا الاهتمامَ لإقامة مؤتمر متخصص باسم «اكسس أبو ظبي» ويعني المنفـَذ، وقلت لهم ليتكم سميتموه منفذٌ إلى الشمس.. وربما فعلوا. ولما استعرض المنظمون الأسماءَ في نقاش معهم، حول من له التأهيل الملائم ليكون نجمَ الافتتاح للمؤتمر العربي الدولي، اقترحتُ اسم «مهند بودية».. ووعودني بالرجوع إلي.ويبدو أنهم راجعوا أكبر سلطةٍ في المؤتمر، لأنهم رجعوا مهلـِّلِين: «لم نجد أفضل من مهند.»

إذن.. الشابُ السعودي مهند سيعتلي منصة المؤتمر بطلا تفخر به العيون.. شابٌّ ترك الظلامَ، وأبصرَ رغم غيابِ عينيه، نورَ الشمس.