سنة النشر : 29/11/2008 الصحيفة : اليوم
العالمُ لن يكون عالـَما عادلا، إلا إن سعيتَ أنت لتحقيق هذا العالم.
والعدلُ هنا ليس فقط في التقاضي والأحكام وسياسة الناس، بل فيما يقتضيه المجتمعُ لكي يتطور.. ولكي يتحقق هذا العدلُ علينا أن ننتج بأيادينا، أن نصنع واقعا أفضل بجهودنا.. أن ننقل مجتمعَنا معراجاً كل مرةٍ للأمام. وهذا من الممكن أن يتحقق، بل ويتحقق بسهولة ونسق وتنظيم ورشاقة عندما تكتمل المنظومة التعاونية الانجازية الاجتماعية، أي أن تنمو ثقافةٌ أكيدةٌ في المجتمع هي ثقافة: «فريق العمل».. والأدلة كثيرة، ومنها: أولادُ الدمام.
أولادُ الدمام حققوا بالفعل أكثر ما حلمتُ به أن يحصل في مدّةٍ وجيزةٍ في مجتمع ضيّق الدائرة.. أعطني الآن شيئا واحدا في هذه الأيام يتفوق على حلمك.. هؤلاء الأولاد استطاعوا.
كنت أقول أن العملية الانجازية تعتمد على التواصل، وأن التواصلَ يعتمد على المأثور الجيشي: «دعني أتقدم وعليك أن تحمي ظهري..»، ولكنا أمضينا وقتا طويلا نعيق التقدمَ لأننا نحاول أن نعرّي الظهورَ التي تستحق وتلك التي لا تستحق.. والنتيجة واحدة: لا تقدُّم. واللاتقدُّم يعني : تأخّر!
قلنا اننا كلنا جنودٌ ونحن علينا الفصلُ والقولُ في النهاية بالفوز أو الخسارة في المعركة.. فساحاتُ الحياة معلقةٌ على الجنود لا على القادة وحدهم، على اللاعبين لا على المدربين وحدهم.. وهذا ما يثبته أولاد الدمام.
قلنا ان التواصل مع المسئولين يزيدهم طواعية وإنتاجية، لأنهم في الأصل ليسوا موظفين ولا مسئولين، بل أعضاء هذا المجتمع يحسون تماما مثلنا، ويواجهون تماما ما نواجهه، وإن أتاحت لهم وظائفـُهم وضعاً معيّناً فهو وضعٌ مؤقت، وسيعودون معنا ولنا في التيار الدائم.. عندما نفهمهم من هذه الناحية سيذهلوننا بتجاوبهم.. وهذا تماما ما حصل، لم يطرق أولادُ الدمام بابا مهما في الدرَج الوظيفي، إلا وجدوه مُشـْرعاً لهم قبل أن يطرقوه.. وكانت فلسفة الأولاد: «نحن تحتكم، نحن معكم، نحن امتدادٌ لكم، نحن هنا لنعمل من أجل مجتمعنا معكم وتحت توجيهاتكم.» ولم يشعروا أبدا أنهم عضو سيزرع في جسدٍ قائم، بل من ذاك الجسدِ وله ومرتبطون بخامته الحيّة. لذا لم يكن صعبا عليهم أن ينسقوا برامج إنجازٍ مع أمانة الدمام، والغرفة التجارية، والإدارت الصحية، والتعليم، والتقنية.. وسيأتي أكثر.
في القاهرة، أخذني صديقٌ مصري لحيٍّ شعبي كبير.. أظن اسمه المطرية، وقد قرأ مصريٌ مقيم عندنا عن أولاد الدمام، فأسس أولاد المطرية، وذهبت هناك وكان استقبالا محرّكا للعاطفة فعلا، ويقول لي الصديقُ: قبل أيام لم تكن لتستطيع أن تمر بهذه الأزقة من تراكم الأوساخ، أولادُ المطرية قاموا باللازم.. ألم أقل لك شيئا يتعدى جرأة الحلم؟
وقبل الليلة الماضية كانت تدور سيرةُ أولاد الدمام في جلسةٍ لعقول أخاذةٍ وعبقريةٍ قرّرَتْ أن تجتمع كل شهر لمناقشة أمورٍ حيّة وحيوية، وكان كرم منهم أن يدعوني للمشاركة.. وفي جلسةٍ جانبية فاتحنى الدكتور محمد عبدالعزيز الأنصاري، مدير إدارة برامج التقنية في مركز البحوث والتطوير في شركة أرامكو، وأرجوك أن تتمعن مرة أخرى في أهمية وحساسية ورقي وظيفته، فاتحني بما يؤرقه عن موضوع السلامة، ونشرها في المجتمع كثقافة حياةٍ يومية، وكدت أقول له : «عليك بأولاد الدمام.»
ولكني مسكتُ لساني لاندفاعه متحمسا قائلا: «ثم أني فاتحت الإدارة العليا في الشركة واقترحت أن يقوم بالمهمة أولاد الدمام.» .. ( وبلعتُ هنا آهة فخرٍ بجهد جهيد).. ويقول الدكتورُ الأنصاري:» ثم أني ذهبت وقابلتهم، ويا الله .. ما شاء الله. عقولهم وخططهم، وحماستهم، وتنظيمهم فوق ما توقعت.. وأحسست يا أخي أن حلمي الأكبر عن نشر السلامة سيتحقق..»
يا أولاد الدمام.. ما شاء الله.. ما كل هذا؟