سنة النشر : 25/11/2008 الصحيفة : اليوم
.. نتعلم كل يومٍ، ونكتسبُ مهاراتٍ اجتماعيةٍ مع كل تجربةٍ، وتقدّما في الوعي.. وهي دروسُ الحياةِ التي تكون نتائجُها ملموسة، وحقائـِقـُها فاصلة.. ومنها درسان مهمّان في حياتي فقط في هذا الأسبوع.. درسُ فاطمة، ودرسُ ناجي.
درسُ فاطمة، تحدثتُ عنه في مقالِ السبت الفائت، ووجدتُ تعاطفاً كبيرا معها. وأنا خارج البلادِ، تلقيتُ اتصالاتٍ من إعلاميين تلفزيونيين، وصُحُفٍ سعودية، بل أن صحيفةً سعوديةً في المنطقةِ الغربية ستـُفرد تقريرا لموضوع فاطمة: كيف صار؟ كيف بدأ؟ كيف انتهى؟
وما أكرّرهُ على كل من يتواصل معي، أن المهمَّ هو الدرسُ لا الأشخاص.. ايا كانوا. الدرسُ الذي خرجنا فيه من موضوع فاطمة، هو ما أسميناه «السلسلة التواصلية للإنجاز.» أي أن نكون، من صاحب المشكلة حتى المسئول صاحب القرار، سلسلةً واحدةً لا تنفصم حلقاتـُها حتى لو حاول أحد الأطرافُ ذلك، وبالتالي سنجد أننا، معاً، غيّرنا مصيرَنا بأيادينا..
وعندما نتواجه عدوانيا، وننتقد بعضنا بعضا، ونتراشق بحجارةٍ من كلماتٍ حادةٍ، فهذا يعطـِّلُ التلاقي، ويمنع الإنجازَ، ويورث الغضبَ العام بكل طرف، فنخرج من المشكلة التي نحن بصددِها إلى مشكلةٍ أخرى..
عندما يكون المقالُ، أو الكاتبُ، أو الوسيلة الإعلامية، وسيطاً بنـّاءً بين صاحب القرار وصاحب المشكلة بلا اتهامٍ، ولا نبرةٍ قاسية، ولا اغضابٍ، ويحرص على تلمّس الطرقَ لفتح الأبواب والسبُل أمام المسئول ليعمل وليحسّن أداءه، ومعها سمعته المهنية وطيبته كإنسان.. فلا أرى منطقا يمنع المسئولَ دون أن يقوم بالعمل المقترّح إذا كان صحيحاً وعادلاً..
في موضوع فاطمة تخطى مسئولون بعضَ الإجراءِ الروتيني المعتاد، وسرّعوا بالاجتماعات الدورية المُجـَدولة، وربما وُضعت خطوةٌ خارج النصّ النظامي توخياً للمرونة، متسلحين أمام مساءلة النظام بأن الرأيَ العام سيحكم على كامل أداء المصلحة من خلال حلّ المشكلة.. فتعم المرونة والسرعة التي ربما تمناها المسئولُ كأمنيةٍ تحول بينها منعطفاتٌ وكثبانٌ من الأنظمةِ والتقارير والملحقات والتوصيات و..الخوف من المساءلة، وربما ودَّ أن يعينه الناس كي يخرج من دغل النصوص، فمتى أعطيناه نحن الفرصةَ بتشجيعِهِ والثقةِ به، فسيفاجئنا بأدائِه..
لذا لمن سألني: لماذا تحرّك موضوع فاطمة بعد المقال؟ أقول لهم أن السؤالَ خاطئ وغير منتج،.. الأهم أن المسئولينَ تجاوبوا، فالمسئولُ عنده الرغبة والدافع الإنسانيان مثلنا، وحال دونهما طبعُ تيبّس النظام الرسمي الكبير.. ولو لم تكن الرغبة والدافع كامنتـَيـْن وموجودتـَيْن، فلن ينفع هذا ولا ذاك.
عندما نكتبُ لنقف مع مشاكل الناس يجب أن نجذبَ قلبَ المسئول، فنلغي أن يركب رأسَهُ كردّ فعلٍ إنساني حين نغاضبُه، فنضرّ الناسَ الذين لم يستفيدوا إلا مزيداً من التعنـّت، لأننا لم نترك له فرصة حفظِ ماءِ الوجهِ لمراجعةِ القرار.. درسٌ مهم، تعلمتُ منه أنا شخصيا.
أما حبيبي الراحل الصغير «ناجي الأحمد» يرحمه الله، فقد هاتفتني مديرة مدارس الفكر بجدة، وكانت قد ترأست ونظمت حملة كبرى باسم «ناجي» لصالح أصحاب الاحتياجات، وتـُوِّجت بخطابٍ لعاهل البلاد مرفقا به المقالات التي كتبتها عن ناجي..
بالأمس هاتفها إعلاميٌ من جريدةٍ عربيةٍ دوليةٍ ليقول لها أن قراراً تعميمياً وعليه توصياتُ الملك عبدالله للجهات التعليمية لمراعاة ظروف أصحاب الاحتياجات بالجامعاتِ والمدارس، وأنه أمامه الآن.. شرحاً على تلك الرسالة.
كل ما فعلته تلك السيدة الاجتماعية النشطة، أنها آمنـَتْ بتلك السلسلةِ التواصليةِ وكوَّنت حلقة إيجابية لتشارك بتحقيق قرارٍ إنساني على مستوى الأمة..
هذا هو درسُ ناجي الصغير، وأستاذي الكبير، لي.