سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية
* مكالمة:
- أنا الدكتورة....
- مرحبا يا دكتورة، خيرا..
- قرأت لك مقالا في الإنترنت عن الإرشاد الطلابي، ونشكرك على تسليط الضوء على ميدان من أهم الميادين، وأوافقك على أنه لم يُحتفى به في أوساطنا التربوية كما قلت..
- أنا الذي قلت؟
- إيوه، ومسجل عليك! والمهم إنه أثرت عدة نقاط ولن أعيدها عليك ومن يرد فليرجع لمقالك، إلا أنه في اعتقادي أنك نسيت عاملا مهما، وعجبت أنك لم تذكره أو ربما تجاهلته.. تتفضل تسمع؟
- تفضلي يا دكتورة، وأعدك أن يكون الحديث على رؤوس الأشهاد.
- سأرى! ( ضاحكة). لم تذكر أنه يجب أن يكون هناك إعداد تدريبي للمرشدة الطلابية، لأنها تتعامل مع قضايا إنسانية، ومن يتعامل مع قضايا من هذا النوع لا بد أن يكون مؤهلا تأهيلا جيدا، بل إن التعامل مع نفسيات الأطفال والمراهقين أكثر تعقيدا، لأنك لا بد أن تقرأ طواياهم، فهم إما لا يفصحون، وإما أنهم إن عبروا لا يحسنون الإفصاح.. وهنا تكمن أهم قدرات المرشدة، وندفع الثمن فادحا لغفلتنا عن ذلك..
- صمت..
.. والمكالمة مستمرة
- أنت معي ..
- نعم! تابعي رجاء.
- إذن لا بد أن تعد الدوائر التربوية والتعليمية برنامجا خاصا لإعداد المرشدات والمرشدين الطلابيين. وأن يكون ضمن برنامج التدريب ساعات دسمة وجرعات مكثفة ( إنت فاهمني؟!) من الاطلاع على التجارب النفسية التي في كتب علم النفس التطبيقي، هذا مهم جدا لفهم التركيبة النفسية للطفل أو المراهق، خصوصا أن دقة هذه المسائل تعتمد على الملاحظة الكاشفة الدقيقة لاستشفاف مآزق المراهقين النفسية والاجتماعية والسلوكية ، وسبق أن أفهمتك (!) أن الأطفال والمراهقين لا يعتمدون اللغة المنطوقة للإفصاح في الغالب أو لا يحسنونها. وشيء آخر مهم جدا..
- كيف يا دكتورة؟ هل تقصدين أنهم لا يعرفون كيف يعبرون عن مشاكلهم، أو أنهم لا يحسنون التعبير؟
- تماما يا أستاذ كما قلت إنهم لا يجيدون التعبير، لأننا لا نحسن تعليم أولادنا وبناتنا الصراحة المباشرة فتجد أنهم لا يعرفون التواء تعبير الكبار، ولا يقدرون التصريح فتضيع الكلمات منهم، وهذا مضلل جدا للمرشدة أو المرشد الذي لا خبرة لديه، أو ليس عنده هذا الفضول المحبب للدخول في أعماق معضلة التلميذ أو التلميذة تلمسا لأي ضوء للحل أو تخفيف معاناته أو معاناتها، وهو شيء كي تفهمه تماما، نعتبره نحن التربويين أغلى من الذهب..
- يا سلام..
- لا ادري لم تقول هذا التعليق، ولكن كلامي صحيح جدا، ثم إنك يجب أن تعرف أن دور المرشد والمرشدة الطلابية، وحتى لا تتعبني (وكأني تدخلت..) سأقتصر على المرشدة وتستطيع أن "تذكـِّرهُ " في معظم الحالات. اسمع يا سيدي: في المرحلة الحالية صار وضع المرشدة من أهم الوظائف ليس فقط في المدرسة ولكن ضمن المنظومة الاجتماعية كلها ، فأنت تعرف كيف تفشت مشاكل اجتماعية وأسرية لم نكن يوما نتصور أن تكون في مجتمعنا، ولكنها تصير، وبشكل متوحش، ومخيف ، وأعرف أنه لا يمكن أن أسرد عليك المشاكل التي نراها في المدارس، ثم جاءت مسألة الأسهم هذه، وصار التوتر في المنازل يجري كالسلك المكشوف لكهرباء صاعقة، فيأتي الآن كثير من التلميذات مصعوقات تماما.. وبغياب مؤسسات مدنية فاعلة أو دور إيواء، فإنه لا حل أمام الأمة هذه كلها، حتى نصل للمجتمع المؤسسي، إلا تفعيل دور المرشدة الاجتماعية من حيث رفع المستوى ودقة الاختيار والخضوع للتقييم كل فترة، والتشجيع المعنوي والمادي، لأنها لن ترى إلا عذابات الصغيرات.. وعليها ليس فقط التحمل والمواجهة، بل المشاركة في إيجاد حل أو صيغة يمكن للبنت على الأقل أن تواصل يومها الدراسي بأقل ضغط نفسي ممكن .. وترى متى كنت عادلا، ومتخيلا لهذا الدور أن دور المرشدة عندنا لم يصل إلى القدرات العادية المطلوبة حسب مواصفات المرشدة المتعارف عليها تربويا..
- والمطلوب يا دكتورة؟
- ليس المطلوب هو أن تسألني ما هو المطلوب. بل أن تتفهم ما أقول وتوافق عليه ، وحين توافق عليه تتبناه..
- وبعد أن أتبناه يا دكتورة.. هل تضمنين لي مقعد الوزارة قبل ذلك؟
- لا، لم تفهمني بل هو أن تسهم ضمن من يسهم لحث الوزارة على أن تحرص الآن بالذات على الاهتمام بأهم وظيفية اجتماعية في الوقت الحالي الإرشاد الاجتماعي في مدارسنا.. حتى ينتجون لكم جيلا سويا.. وأنا أقول لك نعم إن جيل الأمة مهدد.. وشيء آخر..
على أني أعتذر للدكتورة فنافذتي ضيقة، وأعتقد كما يقولون في المحطات الفضائية، إن الرسالة وصلت. بالمناسبة أين المرشد الصحافي في الجريدة؟!