سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية
* لما يقول لك الطبيب: "عندك ارتفاع بالضغط."
.. أكتب هذا المقال لأنه مهم في كل زمان.. وإني أرى أن مناسبته زادت أضعافا مع هذه الممارسة الجماعية، والاندفاع الحشدي نحو سوق الأسهم وهو مسجل واقعا، وموثق بالبحوث، أكبر مصدر للضغوط النفسية، والضغط لنفسي أهم عامل متضافر لمرض ارتفاع الضغط..
واليوم بعد تلاعب المؤشرُ برأس الأخ "سهم"، شعر بصداع شديد، وشعر أن في أداء حياته عطلا، وأن أموره الجسدية ليست على ما يرام، سيقول له محبوه أن يذهب للطبيب.. والطبيب يبدأ بما يعرف في مهنتهم بقياس المؤشرات الحيوية، قياس ضغط الدم، ونبض القلب، وحرارة الجسم.. إنها عنوان صحة الإنسان، أو اعتلال صحته. يلف الطبيبُ على عضده لفافة المقياس الزئبقي ( تحريا للدقة)، وينصت بدقة في السماعة، ثم ينظر إليه متفحصا، تتغير علامات وجهه، مع تقطيبة على جبينه ثم يعاود الكرة مرة أخرى.. ولا ترتاح أساريره. يلتفت إليه وهو ينزل السماعة من أذنيه ويقول له: عندك ارتفاع في الضغط.. وآن الأوان لتغير نمط حياتك. وتأكد أن الطبيب عندما يقول له ذلك فإن هذا معناه واضح في عالم الصحة، وهو أن مريض الضغط هو المتحكم في مصيره مع المرض، وليس الطبيب ولا الأدوية.. لقد صار على "سهم" الآن أن يحرس نفسه..
وأول ما يجب أن يقوم به "سهم" تثقيف نفسه عن رفيقه الذي سيلازمه رغم عدم ترحيبه به، طيلة ما تبقى من أيام عمره، وأن عليه دائما أن يكون يقظا وحريصا في مواجهته ليتحكم فيه، أما إن تحكم المرضُ فهي حياة متتابعة من الألم، والحياة البائسة، وتداعي أعضاء مهمة في الجسد. وإني أؤمن تماما مثلكم بأن في الملمـّـات منافع.. أولى هذه المنافع أن نعي لنفسنا، وأن ننظم حياتنا، وأن نضبط إيقاعنا اليومي، وأن نرتب أمورنا.. فننتقل إلى عالم من الدقة والالتزام والحياة الخالية من مسببات الضرر.. ما أمكن.
والضغط مرض مخاتل وماكر وصامت، يتفجر في العروق كما تتسحب الأفعى على رخام صقيل فلا يُسمَعُ صوتٌ بينما السمّ يسري، هذه الصورة التي يجب أن تتخيلها عن مرض الضغط.. ولو صورت بلادنا بقاعة كبيرة من الرخام الصقيل فتصور أيضا أن أكثر من ثلث هذه البقعة الصقيلة تسري فيها الثعابين.. ثعابين ارتفاع الضغط.. وجاءت مواسم الأسهم لتعطي مساحات جديدة للأفاعي. إنك لا تشعر بشيء؟ ولكن لا تستسلم لهذا الشعور، أجرِ فحصا، رجاء، هذا الذي أشرنا إليه بقياس المؤشرات الحيوية، عندها ستتأكد إن كان رخامُك الصقيلُ صافيا، أم أن هناك أفعى تحس حسا عليه، وتبصق السموم.. إن فعلت فلقد أسديت لنفسك جميلا لن تنساه.. في الحالتين!
أما كيف يتأكد الطبيبُ من وجود الحالة، وهي ما يتعارف عليها في المصطلح الطبي بتأكيد وجود المرض Definition. وهذا يعني أنه بقياسٍ دقيق للضغط أن هناك ارتفاعا عن مستوياته الطبيعية. أما الرقم الذي ينذر بأن هناك حضورا لمرض الضغط، عندما نعرف أن الضغط تجاوز آخر حدِّ مسموح به وهو 140/90 في أكثر من قياسٍ على فترتين متباعدتين أو أكثر. ومن المعروف أن هناك مؤشر خادع فقد يرتفع الضغط مؤقتا لسبب عابر، أو إفراط في الحركة أو القلق كسحابة تمر ثم تتبخر، وهذا هو السبب في إعادة قياس ضغط الفرد أكثر من مرة.. والأطباء يتأكدون من ذلك، وبحرصِ شديد.
وإني الآن، صادقا، لا أريد أن أنغص عليك، خصصوا إن كنت لتوك أشحت نظرك عن شاشة مضرجة باللون الأحمر، ولكن للأسف لن أجد مناسبة أكثر من هذه اللحظة بالذات لأذكرك أن هذا المرض يصيب الناسَ الذين هم في بيئة تتسم بالضغط النفسي والتنافر الشديد في الشعور، بين الأمل والخيبة، بين الغضب والرضى، بين الفرحة الشاهقة، والحزن الضيِّم. هذا المرض يجب أن تتوخى تجنب حدوثه، أو أن تتعامل معه بحذر شديد، ومسلك غاية في الانضباط.. وإلا فهي المحاذير الكبرى!
المحاذير الكبرى؟ هي عواقب إهمال المرض، ما يسمى عند الأطباء مضاعفات المرض Complications وهي قائمة لا تحب سماعها، ولا أنا، ولكنا مضطرين من أجل مصلحتنا جميعا أن نعيها جيدا مهما نفرنا بها: فبالنسبة للقلب سيكون مكشوفا أمام هجوم الذبحة، وبالنسبة للرئة فستكون عزلاء أمام خطر تجمع الماء في الرئة ويعرفه الأطباء بالاستسقاء الرئوي Pulmonary edema أما بالنسبة لمحركنا الأول الدماغ، سيكون معرضا بلا غطاء أمام النزيف الدموي، والجلطة الدماغية، والغيبوبة Coma ، والعين لن تكون بمنجى فهو انقياد محموم نحو النزف والتورم. وأما الكلى فهو المصير المؤلم بالنزف وإقفال العمل.. نهائيا.
لن أناقش مسائل العلاج الصيدلي أو الدوائي، فأمره متروك تماما للطبيب إنما ما يهمني هو ضبط إيقاع رتم ساعة حياتك من جديد.. وأقول ساعة حياتك لأن في الساعة توقيت، وانتظام، ودقة وحركة محسوبة، وأول علاج ناجع هو البعد عن مفجرات الضيق، ولا تسألني كيف ومدى عدم عملية أو صعوبة ذلك، فإن مريض الضغط ليس له الخيار. إنه خيار للأسف بين الحياة أو الموت، أو أنه خيار أسوأ، خيار بين حياة منتجة وزاهرة، أو حياة موحشة ويابسة ومتقصفة. وعليه، لزاما، العودة للتريض والحركة المنتظمة يوميا (أو خمسة أيام اسبوعيا) والأهم.. هو العلاج بالحمية الغذائية الصارمة، في الابتعاد عن الزيوت المشبعة، ومصادر الكوليسترول، والبروتين الكثيف، والانتقال لحمية سائغة من الخضار والفواكه واللحم الأبيض.. ولقد ثبت أن هذا النظام الحياتي يقود لضبط المرض في أحايين كثيرة وبدون الحاجة للصيدلية.
إن أحببت، لك أن تعود للشاشة.. ولكن بعد أن تعيد في رأسك ما ورد أعلاه.. حتى لا ينتقل الأحمرُ إلى.. مكان آخر!