سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية
.. سألت نفسي، وسألت من حولي، لو خصصتُ رسائلَ رمضانية لفئات من الناس فبمن أبدأ. يا ساتر، كثـُر أنواعُ البشر الذين أريد في هذا الشهر الكريم أن يمن الله إليهم بإعادة الوعي إلى عقولهم، وأن يخافوه فيعملوا من أجل أن يحاسبوا أنفسهم في الدنيا، قبل أن يواجهوه يوم الحساب العصيب في الدينونة. وعندما تحاول أن تقول شيئا للناس فقد تقسو وتطفو منك كلماتٌ قسراً كما هو قانون الطفو في الماء، ولكن القصد في النهاية مع النصح توجيه اللوم والاتهام والصفة الصريحة لمن يقوم بالعمل السيئ عن قصد وتكرار، وأفظع الأعمال السيئة المقصودة هي لما تكون مغلفة بالجبن والخديعة ودناءة النفس. والرسالة حينما نوجهها فهي لمن يقوم بالعمل المشين عينه، وهي أيضا رسالة للتنبيه لكاتبها أولا، وللجميع حتى لا يكونوا يوما في الموقع الذي يلامون به، أو أن يتقدموا في المساهمة بالحد من أعمال تندى لها جبين الإنسانية عامة، فكيف لما تكون مخالفة لتعاليم الإسلام، وكيف لما يستمر المخطئ في ارتكاب ذات الجناية والذنب في هذا الشهر، فإن لم يكن هذا الشهرُ تأديبا للسلوك، وتهذيبا للنفس، ورفعا من قيم الروح، والتصاقا أفعل وأقرب للسماء، فما معنى صيامه وصلاته إذن؟ ولم تتراكم الحيرةُ كثيرة، فسمعت سائلة تقول شيخاً إن زوجها يضربها بشكل يومي، للصغيرة والكبيرة، مع أنها حسب قولها عابدة ومطيعة وصالحة، ولا تعصي له أمرا، حتى ولو صعب عليها تنفيذ الأمر، ولكنه يداوم على ضربها ولا يتركها إلا بعد أن يرى الدمَ ينزف من جرحها، وهي تقول للشيخ.. يا إلهي سمع السؤال بعد التوطئة: "أحيانا أبلعُ الدمَ النازفَ من فمي وبدون إرادتي، أو عفوا أثناء البكاء فهل هذا يبطل صومي؟ " .. نعم لم تشتد حيرتي، لذا فسأوجه هذه الرسالة لكل زوج زنيم يدفعه شرُّه وبؤسُه وضعفُ عقله ووضاعةُ نفسه وجبنُ طويتِهِ أن يضرب ويعتدي على زوجته الكسيرة القليلة الحيلة، والمسلوبة القوة.. ومع غضبنا عليه نرجو في أعماقنا له الهداية، والعودة عن غيِّهِ الكبير، إلى مراتع أخلاق الدين، وعناصره الإنسانية المحبة والمضيئة.. آمين. وستجد أني أسمي هذه النوع من "الرجال" ظُربانا، وهو توافقٌ لما يخرج من سوءٍ من هذا النوع من حيوان اسمه الظربان، ومن فعل الضرب معا..
لن يكون الذي أقوله جديدا، أو تسمعونه للمرة الأولى ، ولا هو حتى من نوادر المواضيع. هناك أمورٌ تحرق القلب حتى تذريه للرماد، وفيها من الظلم الغبي الجبان، ظلم الظربان الذي يستأسد وهو ليس إلا ظربانا لا يفرز إلا أنتنَ الروائح ، فيهرب منه من حوله لا خوفا ، ولكن حتى لا تصيبهم قماءته وخبث مخارجه..
هل تجدني متحاملا، منجرفا مع عاطفتي؟ لا عليك، فالذي تعتقده هذا هو صحيح كل الصحة.. وأنا لا يمكن إلا أن أكون كذلك في موضوع ينضحُ جبنا وخسة وسوءَ مآل.
هؤلاء الأزواج الذين يحللون لأنفسهم جر زوجاتهم على الشوك أليسوا ظربانا؟ الأزواج الذين ُتعطى لهم العصمة، فيعتقدون أن زوجاتهم ملك لهم فيدوسونهن كما يداس السجاد، ويجعلونهن مصارف لنزقهم ومجونهم وجبنهم ووضاعتهم أليسوا ظربانا؟ هؤلاء الرجال (عفوا فلقد زلقتْ رغما عني كلمة الرجال) أقول، هؤلاء الأزواج الذين أُعطوا البسطة في القوة، وفهموا أنها بسطة في التقوِّي على المرأة التي باتت تحت حماه ورحمته، فإذا هي في وسط أرض ملغومة بالانحراف النفسي ونقص الرجولة والإنسانية ومسيجة بالعذابات وإهدار الكرامة وسحق النفس، أليسوا ظربانا؟
لما نهزل أحينا مع والدتي ويأتي منـّا من يشكو بأن زوجته تغلـُبه، تنير وجهها ضحكة حكيمة وهي تقول : "ما يغلبنْ إلا كريم!" .. والله صدَقتْ. أن تسعد بأن زوجتك تتقوى عليك ، بينما أبسط قدراتك أن تقف ضدها برشة نظر، لو أردت!
اتقوا الله في بنات الناس، اتقوا الله في أهاليهن الذين ربوهن السنوات وأعطوهن عرق الدنيا ودماء الحياة ودموع النصَب، ثم سلموكم إياهن، كما يسلم أعز عزيز.. اتقوا الله بالقوارير حبيبات النبي..
لما ترى أبا أو أما يبكيان الابنة، وترى الزوجة تُساق للمذبح كل يوم، ألا ترى أن هذا من فعل الظرابين؟
هل قسوتُ يا ناس؟ نعم أعترف، ولكن قسوتُ على الظربان!