من غير الله؟!

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 

وصلني سؤالٌ من الطالب النبيه في الولايات المتحدة محمد الناصر، وكنت أردت أن أجيب عليه في وقت مناسب لاستطلاع المزيد عن الموضوع وبناء موقفي الشخصي بعد المسح القرائي العلمي، ثم اخترت أن يكون بمقالةٍ رمضانية، أما سؤالُ الشاب طالب الفيزياء التطبيقية فكان: "أعلم أنك لست عالما في فيزياء الفلك، ولست عالما دينيا، ولكني أريد رأيك الشخصي في موضوع نشأة الكون ومسألة الانفجار الأكبر (البنج بانج)، وهل يتعارض مع النظرة الدينية الإسلامية، خصوصا أنه أربك المتدينين المسيحيين في الغرب"؟

أحاول هنا إبداء رأي عملت عليه طويلا وبعد قراءات واستفسارات ورجوع للمراجع، ولكن يبقى مجرد رأي شخص عادي لا يتعدى ذلك، ونشكر للشاب النابه تحديده بأني لست عالما في الموضوعين .. ولكننا نجيب لأن كل إنسان مكلف، وكل رأي لابد أن يطرح للناس، وما مسيرة الفكر البشري إلا بحر من قطرات الأفكار والسيول، السيول من العلماء والمكتشفين الكبار، والقطرات الصغيرة من ملايين الناس أمثالي الذين يريدون أن يعرفوا بطاقاتهم المحدودة.

أقول لكل من يعتقد أن الظواهر الكونية العلمية تُحرج الرأيَ الديني، بأنه على غير الصواب، فالعلمُ الكوني كله مبني على النظرَي، ومنها البنج بانج أو ما ترجمتـُه بالانفجار الأعظم. لا تملك الإنسانية ـ قطعا ـ دليلا نهائيا على صحة النظرية الكونية السائدة، ولكنها دراسات نعترف بأنها في منتهى الدقة لظواهر مرصودة وحقيقية، ومهما تعمقتْ فهي دراسة النتائج للوصول إلى الدليل، وليس الدليل نفسه .. حتى يومنا هذا نقول إن العالمَ لا يملك في هذا الموضوع الدليل. وعليه، فإن استنتاجات المقال مبنية على نظرية، وليس على دليل مثبت فيكون في طيف الاستنتاجات، ولا يزيد.

لم يجب أي أحد، ولا يستطيع، تحديد كيف كان الكونُ قبل شطر الثانية التي تقول النظرية إنه نشأ منها الكون بعد انفجار كتلة الكون والتي كانت في كثافة لا يتصورها العقل الإنساني، وبحجم متناه في الصغر بحيث لا تقبله أدوات العقل الاعتيادية، فقد كان الكونُ قبل الانفجار طبقا للنظرية متناهي الصغر بحجم علبة الكبريت كما يقول إسحق عظيموف العالِم وكاتب المقالات والروايات العلمية، وبعضهم راح أكثر ليقول إن الكون كان بحجم مسامة واحدة من مسام الجلد.. لو كان هذا صحيحا، وهو السائد، فهذا الإعجاز ذاته. وبما أن الإعجازَ فوق العقل، فلا مصير للعقل أن يحلل ذلك، وهنا تكمن القوى المتناهية التي هي الله، ومهما أعطوا اسما غير ذلك فلا يمكن إثباته بل هو عين المستحيل.. وتبقى إذن قضية (الإيمان) هي البديل الأوحد. وهذا يفسر عكس ما قلت يا سيد محمد بأن لبلبة صارت في الوسط المسيحي، لو علمت أن معظم علماء الفلك الكبار في هذا الموضوع هم من الكهنوت المسيحي، وبالذات الذين يعرفهم الأمريكان بالجوزويت.

ونعود ونقول لا أحد يستطيع أيضا أن يتصور كيف كان حال الكون قبل ذلك وهذا ما يسجله كل العلماء وكل النظريات.. وسيبقى أبد الآبدين دون إجابة، إلا الإيمان الراسخ بخالق لهذا الكون.. الله.

ثم كما تقول: "إن الكون غير ثابت"، ولا أعتقد ـ وحسب ما قرأت ـ أن الإسلام قال إن الكونَ ثابت، وفي "سفر التكوين" في الإنجيل نعم هناك إشارة لذلك السكون الكوني، وليس في القرآن.. بل القرآن يتحدث عن البداية والنهاية، عن يوم الخلق وعن يوم النشر، وهما ليسا يومين ستاتيكيين "ساكنـَيْن" ولا يعقل أن تصل مادة أو حدث من بدءٍ إلى نهايةٍ بلا حركةٍ ولا تغير، وأن إثبات حركة اتساع الكون هي أيضا من النتائج التي يعوّل عليها علماءُ الفلك بأنها إشارة إلى حدوث الانفجار الأعظم.. ثم أن الذي توصلتْ إلى هذه النتيجة هي "نظرية النسبية العامة" التي وضعها عقلٌ جبار وهو "ألبرت آينشتاين"، ولعلي أذكرك حين نشأ "علمُ الفوضى الكوني" وتحدث الناسُ عن العشوائية الكونية قال آينشتاين أكبرهم إدراكا، مقوَلته الأشهر: "إن اللهَ لا يلعبُ بالنرد" والنردُ هو مكعب اللعب ذو النقاط المختلفة العدد وتقع على الرقم عشوائيا! وحينما تطورت وسائلُ الرصد والمتابعة غيَّر الفوضويون الكونيون رأيهم، وخرجوا لنا باصطلاح جديد يسمى بالإنجليزية "إنتروبي" أي الفوضى العاملة بنظام.

ونحن يا محمد لا نعلم ولا نملك دليلا أن هذا الكونَ وحيد، فقد تكون هناك أكوانٌ موازية، كما أن الذي حدث في الماضي السحيق يمكن أن يتحقق في المستقبل العميق، وهذه هي "نظرية الاحتمالات" المتكررة، والمثبتة رياضيا على الأقل.

نحن لا نعلم ما قبل النشء، وكل ما نعلم بعده مثبتا لا يخالف الدينَ والقرآن، ولا الدينُ والقرآن يخالفه.. الثابث النهائي:هو أن هناك قوىً فوق عقل الإنسان.. وهذا ما ذكره الله في القرآن.. ولا إثبات لعكسه أزلا!

فلا نملك إلا أن نردد: يا سبحان الله..