نثريات الخميس "44"

سنة النشر : 04/02/2016 الصحيفة : الاقتصادية

 

نثريات الخميس- 44

استهلال

كلنا نبحث عن الحب، الطيبون وغير الطيبين. نبحث عنه لأننا نعرف في قرارة أنفسنا أنه لا يمكن الاستغناء عنه، بل يستحيل العيش دونه. لذا أقول وأنا متأكد مما أقوله إن الحب هو الأقوى؛ ولو لم يكن الأقوى والأبقى لما استمررنا كما نحن حتى اليوم.

الألفة والطمأنينة

أحدثك اليوم يا بنتي عن نوع من أنواع المحبة، وهي الألفة. والألفة هي القرب الشخصي بين شخص وآخر، وبين شخص ومجموعة، وبين مجموعة ومجموعة. والألفة مع هذا التقارب تضفي جمالا وسعادة واطمئنانا على الحياة. إن الألفة الحقيقية، يا ساكنة القلب، تجعل الواحد منا يشعر بأنه موجود في هذه الحياة، بل يشعر بقيمة هذه الحياة وقيمته هو. ويأتي هذا الشعور بأنك سعيدة مع مجموعة أو صديقة مقربة أو فرد من العائلة أو كل أعضاء العائلة، فيكون لسعادتك بعد أكبر وأثر أبعد وعاطفة أقوى لما تعيشين هذه اللحظات السعيدة مع أولئك الذين تربطهم بك الألفة. عندما تكون الألفة حاصلة ومتحققة لنا فإن هذا سيجعلنا نشعر بأننا لا نحمل أعباءنا وحدنا، بل هناك من نألفهم يشاركوننا هذا الحمل. يلطف المشاعر ويعززها حين تحلّ الأعباء بقوة، وجود أكتاف وأياد وقلوب معك تشاركك شيئا من الحمل. بدون ألفة يا ابنتي تكون الحياة موحشة، وتتعاظم أي مشكلة لما نكون عزلا وحيدين دون سند ولا مدد؛ والوحدة من أشد المشاعر قساوة في التجارب النفسية البشرية. كلما شاركنا من نألفهم بتجاربنا المنوعة، العميقة منها وحتى العادية اليومية، التبادل بينك وبينهم ألفة في طريق خارج وعائد يعطيك دورا عاطفيا وعقليا خارج نفسك فتتوسع دائرة وجودك، وحيز تفكيرك، ودوائر مشاعرك. تصبحين أنضج، وأكثر ثقة بنفسك، وبأهمية وجودك بالنسبة للآخرين، وتتعمق معارفك وتجاربك.

وإني أرجو الله يا بنتي، فوق حبك لي الذي أعلمه، أن أكون ممن يمثلون لك الألفة التي تقرب قلبين وروحين وعقلين. وتذكري دوما أني أحبك.

الموضوع

المهندسة قمر من الجبيل تقول: "كنت أود أن أسألك في لقائك معنا سؤالا خارج نطاق الموضوع الاجتماعي، وترددت. وها هو سؤالي: أريد أن أعرف كيف بدأت النانو وببساطة، فالبحث في النت والمجلات المتخصصة كان غير مفهوم بالنسبة لي".

شوفي يا مهندسة قمر ببساطة، كان العلماء من خمسينيات القرن العشرين يفكرون في ابتكار أجهزة صغيرة جدا، وتحمل معلومات أو قدرات كبيرة جدا. وأعطيك على سبيل المثال ــ وأعتبر هذا بدء تاريخ تقنية النانو الحقيقية ــ لما قدم العلماء في أمريكا بنهاية الخمسينيات محركا متناهي الصغر يُحمَل على الطرف المستدق لأصبع، ثم صار شيئا كبيرا يشبه الثورة العلمية، لما ألقى البروفيسور ريتشارد فينمان في معهد كاليفورنيا التقني، محاضرة في عام 1959 عن معنى وتفسير وحاضر ومستقبل تقنية النانو، وصار الخطاب من أشهر العلامات التاريخية في ظهور تقنية النانو، وكان قد ألقاها في مؤتمر الفيزيائيين الأمريكيين وقتها. وقد نطق البروفيسور فينمان بالجملة التي كانت مفتاحا لفهم دقائق الدقائق، حين قال: "هناك مساحات كبرى متاحة في تحت التحت". أظن كل عالم وباحث للنانو إن لم يعلق هذه الجملة في مكتبه، فهي معلقة في عقله.

وبقي شيء

أعظم المخترعات التي نقلت الحضارة البشرية النقلات الكبرى منذ موغل القِدَم أطلقها أناس لم نعرفهم، ولن نعرفهم. فنحن لا نعرف مكتشف النار، ولا مخترع العجلة، ولا المحراث وهي قواعد وأسس الحضارة برمتها. لكن أولئك الناس بطريقة ما حاضرون بقوة بإرثهم حولنا في كل مكان وزمان.. بناة حياتنا المعاصرة.