نثريات الخميس "43"

سنة النشر : 28/01/2016 الصحيفة : الاقتصادية

 

نثريات الخميس - 43

استهلال

حوار:

- من أجمل امرأة بالعالم؟

- أمي.

تكرار الأخطاء

أتذكر يا ابنتي قولا قديما قرأته في الأمثال عند قبائل الطوارق، وهم ذلك الشعب الذي يعيش في الصحراء الكبرى جنوبي الجزائر والمغرب وليبيا، وحياتهم شاقة لظروف الحياة القاسية بالصحراء، قول مؤثر، هو: "ليس هناك أكثر حماية لك من مخاطر الدنيا كرحم أمك، وبما أنك لا تستطيع الرجوع إليه، فلا خيار لك إلا أن تتحلى بالإيمان والشجاعة وتخوض معركة بقائك". تلك الكلمات يا ابنتي حفرت بذاكرتي، كما يحفر الإزميل في الرخام. ستحملين كرات كثيرة في حياتك حبيبتي، ومعظمها كرات من زجاج، ومعها كرة من بلور. كلها قابلة للتهشم والكسر، وأنت كلاعب السيرك الذي يحاول ألا يسقط الكرات من يده حتى لا يخفق، وأقول لك أنت لاعبة بالحياة الواقعية، ولست بهلوان سيرك، لذا سيقع من يديك كثير من الكرات الزجاجية بعضها صالح وتأسفين عليه، وبعضها لم يكن ضروريا ولن تشعري بذات الأسف.. إلا تلك الكرة البلورية، حافظي عليها كما تحافظين على حياتك، ولو تركتينها وتهشمت فأنتِ ستتهشمين أيضا. وهذه الكرة البلورية هي نصائح أمك لك وتوجيهاتها، مهما بدا لك أن بعضها لا يناسبك. لا تصدقي ذلك فالأم أكبر مصدر للحب والإلهام في الدنيا.. والأصدق. ولا أقول أنها تعاليم جامدة لا تحيدي عنها، على العكس ستسعد الأم أن تناقشها ابنتها وتعرض عليها الرأي، ولكن، واسمعيني جيدا يا بنيتي.. في النهاية استقري على قرار أمك مهما اعتقدتِ أنه لا يناسبك، لماذا؟ لأن هناك غريزة لا يملكها أحد سوى أمك، ولا أملكها أنا والدك الذي يقدم عمره بلا تردد من أجلك. تلك الغريزة وضعها الله كالمنارة الأسطع نورا لترشدك لشواطئ الأمان والنجاح. ندم الكثير ــ وأنا منهم حبيبتي ــ لأنهم يوما لم يستمعوا لرأي أمهاتهم، في وقت لا ينفع فيه الندم. وأعرف كثيرين ــ وأنا منهم ــ وفقت في أي أمر وجهتني له والدتي. فلا ترتكبي أخطائي حبيبتي، لست بحاجة أبدا لتكرارها، صدقيني.

في هذه الدنيا لن يكون هناك قلب يحرسك ويسهر ويستيقظ معك سوى قلب أمك.. مهما حاول أي أحد.. مهما حاولت أنا.

الموضوع

سأل الطالب الجامعي عبدالله ع.، السؤال التالي:

تابعت يوم كنت تكتب عن الحياة الخفية لعباقرة العالم، ومعظمهم ظهروا أنهم "مخابيل"، كيف لمجانين أن يملكوا عبقرية التأثير؟

سؤال قوي، وفاجأني. ولن أدعي أن إجابتي شافية لك حبيبي عبدالله، وليست حتى شافية لي.

عندما ندرس الحالة النفسية لأي مفكر سنجد أن مدرسته الفكرية تتجاوب مع طبائعه، فهو عبقري بالغريزة وموهوب وسلوكه لا يعجبنا، لكن إذا كتب به هو أو هي أبدعوا لأنهم يسقطون طبائعهم على فكرهم فيخرج من أعظم الفنون الإنسانية. خذ مثلا أن فان كوخ الرسام الهولندي الذي تباع الآن لوحاته بمئات الملايين كان كما يقول عالم النفس "ياسبرز Jaspers" أنه مصاب بالفصام العقلي وسبب ابتكاره للرسم بالتنقيط Pointillism كما تلاحظ من لوحاته هو أن مرضه مصاحب بالصرع فيسبب قصورا حركيا. ونيتشه عبقري صار أستاذا بالجامعة وهو بعد في الخامسة والعشرين مصاب بمرض النشوة والاستعلاء وتمكن به هذا المرض، لذا أبدع بالكتابة عن الاستعلاء والغرور والتمادي في حساب القوة البشرية بشخصية السوبرمان بكتابه "هكذا تكلم زرادشت" وفي النهاية أصيب بالعته والخبال. ودوستويفسكي كان مقامرا لذا أبدع بعبقريته بقصته "المقامر". وشكسبير كان بخيلا قميئا، لذا أبدع بمسرحية تاجر البندقية المرابي اليهودي البخيل. إذن هي عبقرية تصاحب الخلل فتقدمه بصورة عبقرية.. وبالطبع سيتأثر العالم.

وبقي شيء

سؤال: لماذا طعام الأمهات ألذ من أي طعام آخر؟!