سنة النشر : 07/01/2016 الصحيفة : الاقتصادية
نثريات الخميس ـــ 41
* استهلال
معنى وجود صديق حقيقي، هو عبارة عن علاقة يكون فيها شخص لا تستند على كتفه، بل أن يكون الاستناد لا حاجة إليه.
***
* التجربة والحياة
تذكرت جدتي وجدتك الكبرى ـــ رحمها الله ــــ يا بنيتي الغالية، كانت تحب أن تزرع بمزرعتها الصغيرة المجاورة لبيتنا ما نحتاج إليه من خضراوات. وكنت أحب أن أشاهدها وأتأملها، خصوصا أني كنت أتعلق بها، وأثرت في حياتي من طفولتي الباكرة. كانت تحمل براحتها بذور نبات الخضار المختلفة، وتقول لي في قلب كل بذرة يا بني وضع الله أكثر من مائة ثمرة من الخضار. كانت تختار بعناية البذور الصحيحة الجافة قبل أن تضعها في الأرض. ثم تعكف بعناية وبحرص على سقايتها وتسميدها وترك نور الشمس يأخذ دوره في عملية الغذاء والحياة. ثم نتردد على البذور، حتى تجعلني ألاحظ بحدبها أول إطلالة للنبتة من ضمير الأرض، وأصرخ بكل فرحي الطفولي: "انظري أماه طلت أوراق صغيرة من التراب". فتقول لي والآن علينا زيادة رعاية هذه النبتة بالغذاء والعناية وإتاحة نور الشمس ليتداخل في نسغها كي تنمو نموا صحيحا وتثمر خضراوات لذيذة صحيحة مغذية. كانت مراقبة النباتات وهي تنمو فرحة فوق أي سعادة أتذكرها، ولما تخرج الثمار متكأة على تراب الأرض يكون الفرح قد تعدى السعادة ذاتها. وهكذا يا حبيبتي يجب أن ننظر لتجاربنا وعلاقتنا، بعناية، وبتغذية، وبحرص، وبجعل نور الشمس يدخلها ويضيئها، كي تنمو تجاربنا خطوة خطوة وعلاقاتنا. في كل خطوة نراقب نمو هذه التجربة والعلاقات، وكما كانت جدتك الكبرى يرحمها الله تزيل العوالق والأعشاب حول النباتات الصغيرة كي تترك ممار الغذاء ونور الشمس يسري داخل النبيتات الصغيرة، عليك حبيبتي أن تزيلي في الطريق خلال التجارب والعلاقات كل ما يكون حولها من سلبيات وضرر حتى تخرج تجاربك وعلاقاتك كلها صحيحة مثمرة ـــ بإذن الله ــــ. قبل أي تجربة جديدة حبيبتي تذكري جدتك رقية.. وترحمي عليها.
وتذكري أني أحبك.
***
* الموضوع
أؤمن دوما وأكرر بأن الله يضع قوانين لنا في هذا الكون العظيم، كل قانون إحيائي أو فيزيائي أو كيميائي أكتشف أنه كان موجودا وأزيح عنه الستار بيد المعرفة، ولم يخترع الإنسان أي قانون كوني وإنما يكتشفه لأنه في البدء كان موجودا. عندما حاول العالم العربي عباس بن فرناس الطيران إنما كان بعد مراقبة الطيور. و(الأخوان رايت) أمضيا الوقت الطويل المضني يراقبان كيفية طيران الطيور قبل أن يتوصلا لقوانين ميكانيكية الهواء والحمل التي ساعدتهما على بناء أول طائرة لهما. واحتاج نيوتن أن يسأل نفسه لماذا لم تسقط التفاحة لأعلى ليظهر لنا بقوانين الجاذبية والحركة، ومهندس سويسري اخترع تلك اللاصقات بين مادتين كالأحزمة التي تلتصق بالأقمشة ويصطلح عليها بالأجنبية باسم فيلكرو Velcro لما كان ينتف من قماش معطفه عوالق شجرة كان يستند عليها. إن الميل لمناسخة الطبيعة ليس جديدا. وفي العقود الأخيرة زاد الاهتمام بالتأمل والبحث في التناسخ من الطبيعة وصار ميلا عاما وليس حكرا على الدوريات والبحوث العلمية المتخصصة، حتى إنه صار لها مصطلح علمي أترجمه بتصرف من المصطلح الأجنبي وهو التناسخ الحيوي Bio-mimicry. هذا يعني بدلالات كبرى أن الله لم يجعل الطبيعة المحيطة بنا مصدرا للموارد فقط.. وإنما أيضا معلمنا الأول.
***
* وبقي شيء
علينا ألا نرتبك ونقلق ونخاف من عواصف الصعاب مهما كانت. فمن يدخل العاصفة بإصرار وعزم فإنه سيكون قطعا أفضل وأقوى من حاله قبل أن يدخلها. كل ما علينا أن نشجع أنفسنا ونثق بأن نمضي دوما للأمام.. لأننا لا نعرف طريقا غيره.