نثريات الخميس "37"

سنة النشر : 10/12/2015 الصحيفة : الاقتصادية

 

نثريات الخميس- 37

استهلال:

كل شخص يقاس ويوزن بأعماله. لذا كل واحد منا لا يمكن أن يقاس من قبل الآخرين على أعمال لم تخرج بعد إلى حيز الواقع. فمن هم بلا عمل، هم بلا قياس وبلا وزن.

العمل والتفاؤل

سأروي لك يا بنتي قصة ثم أكتفي. قصة تدل على أن أي إنسان يجب أن يكمل عملا كي يُرى من بقية العالم، ويشعر بوجوده، ويقيم بأعينهم. الكاتبة المعروفة الدنماركية "كارين بلكسين"، توفيت بعيد الحرب العالمية الثانية، وضعت أشهر أعماله كسيحة تماما، لا يتحرك بها مفصل. أجريت لها عدة عمليات في العمود الفقري أعجزتها عن الحركة والجلوس، ولكنها لم تستسلم أبدا، رغم الآلام الفظيعة، وفي وقتها أوائل القرن العشرين لم تكن المسكنات عرفت كما هي الآن بقوة أثرها، فقد كانت آلام مرضها تدعو كثيرين للتخلص من حياتهم من شدة الألم. صممت أن تنهي كتابا لها شرعت فيه قبل اشتداد مرضها ولم تتهاون لحظة واحدة، فكانت تنام على الأرض وتملي على سكرتيرتها خواطرها، وأفكارها، وآراءها، وفلسفتها، التي جمعتها في كتاب بعنوان "قصص الشتاء" Winter Tales والكتاب عندي حبيبتي من قبل أن تولدي، وما زلت أقرأه بين الفينة والأخرى، أستمد منه هامات القوى البشرية التي أتمنى جمع تجاربها يوما في كتاب، أو لعلك أنت تكملينها من بعدي. كل مرة كانت الآلام تصل بكارين إلى حد رغبة جارفة في التخلص من حياتها، ووضع حد نهائي للآلام. ثم قرأت يوما لكاتب شرقي أن منتهى الجبن هو الانتحار، فهبت فيها قوة هائلة جعلتها تتحمل أفظع الآلام ومضت تكمل مؤلفها حتى فرغت منه، وامتد بها الأجل بضعة أشهر أخرى من ظهور كتابها وذيوع شهرته، وشرعت أيضا في وضع كتاب جديد، وأنجزته قبل وفاتها. تجربة كارين أرجو أن تستلهمي منها يا ساكنة القلب أنَّ لا شيء يقتل القنوط مثل العمل والأمل والتفاؤل. كل بداية عمل جديد، حتى وأنت بصحتك حفظك الله، تعني بداية حياة جديدة.

وتذكري أني أحبك.

الموضوع:

يسأل أستاذ اللغة العربية عبد الرحمن الفراودة:" هل الرجز أقدم أوزان الشعر العربي؟ وما رأيك به؟".

دعني أعرِّف قرائي الأحبة عن الرجز. هو أحد بحور الشعر، ولأمر ما غلبت على بعض الدارسين السخرية فأسموه "حمار الشعر". وأرجو أن تلاحظ يا أستاذي أن هذا لم يكن انتقاصا من قدر هذا البحر أو حطا من شأنه، ولكن لاعتقادهم أن كثيرا من الشعراء وفي كل العصور استخدموه لسهولته، فكأنه حمل بضاعة الشعر عبر العصور. وبحر الرجز أكثر أهل العروض الحديث في تفاعيله وقوافيه. فهو تام مرة، ومجزوء مرة أخرى ومشطور أو منهوك أو مزدوج. وليس هناك دليل على ما يؤيد القول إنه أقدم أنواع أوزان الشعر العربي فالباحثون لما يقارنوا في مقاطع هذا الوزن ببحر كالكامل مثلا يرجحون أنه سبق الرجز في الوجود، لأن ما يسميه الصوتيون بالمقاطع المفتوحة هي الأولى بوجودها إلى أن تطورت للمقاطع المقفلة. والبحث في قدم البحور أو حداثتها يتطلب نصوصا شعرية متوغلة في القدم ترجع إلى ما قبل العصر الجاهلي، وهو ما لا سبيل إليه بحد ما أعلم. أما رأيي: فهو بحر يا أستاذي.. دمه خفيف!

وبقي شيء:

ومن أنواع الرجز المنهوك قول أحمد شوقي في مسرحية قيس وليلى على لسان الجن، ولاحظوا الميل للسكون السهل:

هذا الأصــــيل كالــــذهـــــــــب يســـيـــــــــل بالمرأى عــجـب

الرقص يبعث الطـــــــــــــــرب هلم يا جن العــــــــــــــــــــــرب