سنة النشر : 05/11/2015 الصحيفة : الاقتصادية
نثريات الخميس - 33
- استهلال:
"أنا لست عاطفيا". "أنا صاحب قلب حديدي لا يعرف الحب". "أنا رجل أعمال أو مديرة بنك، لا مكان للحب في قلبي". لا، خطأ كبير. المحبة هي الترس الأول الذي يحرك الإنسانية ضمن وقود حيوي هو الإيمان. إن لم تحب عملك يا صاحب القلب الحديدي فلا يمكن أن تضع عقلك به، لأن العاطفة تقود العقل، ما ترك المخترعون الذين أنقذوا الإنسانية التجارة للعكوف في المختبرات إلا لأنهم شغوفون ومحبون للاكتشاف والاختراع، وما بقي الأساتذة الكبار في جامعاتهم، ولا الأطباء في مستشفياتهم إلا حبا في عملهم ومرضاهم، ومن خرج منهم يبغي تجارة، فلا بأس لن أياس: فهم وقعوا في هوى التجارة، وليبارك الله فيما وقعوا بحبها. تذكري يا سيدة البنك أن ما أبقاك ساعات طوالا في مصرفك إلا حب كبير، ابحثي عنه عندما تفتتحين باب خزانة قلبك وتجدين ورود العاطفة النبيلة وراءه. لا عيب في أن تحب.. بل شرف كبير أن تحِب، وشرف كبير أن تكون محبوبا.
- رسالة لابنتي:
أخذت صورتك التي لا أجرؤ على إخراجها يا ساكنة قلبي. ونطق قلبي: وحشتيني. بعادك ساعة يوحشني، يوم يوحشني، أكثر من ذلك سأحمل على غيوم الشوق تدور بي في سماء الحب. أنظر في عينيك وأتذكر تلك اللمعة التي يراها أي أب لما تقع ابنته في حبه.. لأول مرة. كنت لم تبلغي عامك الأول لما أدركت الشعورَ بالحب، وهو غير الشعور بالانتماء والحب الغريزي للأم الذي لا تضاهيه عاطفة، بل هو قدرة عصبنا الدماغي على التعامل مع كيميائيات لطيفة وإشارات كهربائية كالمساج الرقيق النابض حول القلب. العيون أول علامات الحب لأول مرة.. شيء مهيب يا ابنتي، شيء جميل، لذا قال العرب "والصِب تفضحه عيونه". الحب فعلا ينطق بالعيون، وهي حقيقة كيميائية، فتوهج العين من العملية العصبية الكهربية التي تضيء بياض العين وتبرق لمعانا بسوادها، وسهوما حييا في جفونها. ليتني نظرت في عيني أنا، يوم لمعت في عينيكِ أول إرادة حب لي، فأمنت، وملت لي. إن ابنة وأبا يلتقيان في هذه اللحظة الفيضية عبر موجات المشاعر التي يهتف لها كل جزء حي في وجودنا سيعرفان مذاق الحب العظيم، ولن يتخليا عن بعضهما أبدا. أعرف يا ابنتي كم تحبينني وأنا أتشرف بذلك، وأنت تعرفين أني أحبك وأني أيضا أتشرف بذلك. أب وابنة لم يتعرفا على هذا الحب ليتهما يعرفان أنهما فقدا شرفا كبيرا.. شرف فرحة القلب، وهتاف أعضاء البدن الحي. لمعتْ في عينيك بشارات الحب كثيرا لأهلك، لصديقاتك، لمدرساتك.. والبشارات الآتية ـــ بإذن الله ـــ أكثر.
- الموضوع:
في عام 2003 فتاة كينية اسمها "أوري أوكوللوه" درست الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وتنجح في جميع المواد، إلا في مادة التعبير فهي تدفع دفعا لأنها قوية في باقي المواد. دخلت أوري جامعة أمريكية في القانون. ولاحظ هنا أيضا قصة البروفيسورة. لاحظت البروفيسورة "إديبث" أن "أوري" تتلكم بطلاقة في المحاضرة، ومع زميلاتها، ثم أنها تتعثر في التعبير عما تقول. البروفيسورة لم تحرمها الدراسة في جامعة صارمة لو أخطأت في التهجئة فصلت، بل تشرفت بحب طالبتها، وألحت عليها أن تكتب ما تقول. راحت محاولاتها عبثا، حتى عرفت البروفيسورة حب "أوري" لشعبها وكرهها للفساد، فأججتها ضد الفساد، وفتحت أمامها جهاز الكمبيوتر وعملت لها مدونة وقالت لها: "هيا اكتبي وغدا سأرى ما كتبت". لم تحتج الدكتورة أن ترى غدا ما كتبت فكل صحف المعارضة النيجيرية نشرت ما كتبته "أوري" لشعبها محمسة لهم على محاربة الفساد. أوري بسبب شرف الحب نالت أعلى جائزة للتعبير في جامعتها.. ثم توالت الجوائز.
ـــ وبقي شيء:
تشرفت بحبكم.