سنة النشر : 24/09/2015 الصحيفة : الاقتصادية
نثريات الخميس - 28
استهلال:
كل عام وأنتم بخير، وحفظ الله لنا هذا البلد الذي ننتمي إليه، وهذه الأرض التي نعيش عليها، وحفظ لنا ولاة أمورنا الذين يخافون الله فينا، ويستشعرون الواجب العظيم في حفظ وخدمة وحماية أقدس بقعتين .. الحرمين الشريفين.
رسالة إلى أمي:
أعتذر منك يا بنيتي اليوم. في هذا اليوم العظيم، أستشعر واجبي أمام الله تعالى أولا، ثم ما يعتمل في قلبي ووجداني وكياني بحب يدور في قلبي ويبعثه بشراييني وأوردتي، فلن تكون رسالتي لك بل لحب لا مثيل له على الأرض، لإنسان أحبه أكثر منك بكثير، إنسان لا مثيل له على الأرض.. أمي.
أمي يا كل الحب الذي ينبع منه كل الحب. منك تعلمت أهم فنون الحياة؛ فن الحب. منك تعلمت أهم مهمة في هذه الحياة بين إنسان وآخر وهي مهمة التفهم والاحترام والتقدير. منك عرفت حب الوطن، حب الأرض التي غرزتِها بكل وعيي من طفولتي الباكرة فصارت من عصارة عقلي وضميري في حاضري، وسيكون جاريا سائغا بقنوات الآتي من الزمن ـــ بإذن الله ـــ إلى أن يكتب الله أمرا كان مقضيا.
لو أن حبك كان مكانا يا أمي في الأرض، لو كان حبك يا أمي قطعة من الزمان، لكنت ألجأ إليه وأعود له لأستشف أعالي نفسي، حيث تسمو مشاعري فوق طبيعيتي، وتسبق الأنا الأنا، وأخرج من ماديتي إلى مظان الروح وشساعات الضوء.. والضوء.
وبذاك الملاذ يا أمي يكون حبي لك النسغ وطاقة انتباهي على كل الكون، إنه حب يا أمي فوق العقل، أو أنه فوق إدراكات العقل، وتتخاذل من فورة هديره أعصاب العاطفة فتلهث على عتباته. يكون الحب هناك لا يعتريه شك، ولا يشوبه ضعف، إنه الحب الذي يملك كل شيء فيني.. حتى الذي لا يمكن أن أملكه فيني.
في ذلك المكان والملاذ يا أمي أحتمي به بك، ألجأ إليه من أجلك، وأقف احتراما بغير هيبة، خاضعا طواعية لتبعات حبك، وأكون كقشة التقطها النهر العظيم وطفت فوقه، ولم تعد القشة قادرة أن تتخلى عن لذة ذلك الطفو.
علمتني يا أمي أغلى وأثمن الدروس، ولولا من خلقك ثم أنت لما علمتني إياها أفضل مدراس الدنيا. علمتني أن أحب بلا غل، فكنت دوما من السعداء الخفيفي القلب، أعتقد بالناس الجمال حتى لو أصروا أن يظهروا بشكل يناقضه، لأنك قلت لي: "الدنيا مثل التمثيل والواقع، صفة الواقع الطيبة والجمال، والتمثيل الذي يملأ الحياة ويغطي الحقيقة هي تلك النزوات من الكره والحسد التي تديرها طاقة داكنة، وأنه يمكنني أن أنظف هذا الغبار الأسود من المشاعر التي تجمع على سطح عواطف أي إنسان ليعود السطح لامعا براقا من جديد. علمتني يا أماه درسا جعلني أحب من أعتقد أنهم لا يحبونني، قلت لي: "الذين ينتقدونك ويتكلمون عنك سوءا، من أهم الناس لأنهم مؤشر نجاحك ومقياس ظهورك، وصدقتك حتى نخاع العظم يا أمي، وصرت أعدهم خوفا من أن ينقصوا.
المكان والزمان الذي هو حبك يا أمي، يا حبيبتي، أهتدي به للحكمة والتفكير القويم، لتكون الآمال كلها خير، لأني هناك محمي لا يصيبني شر، وتكتمل سعادتي الإنسانية وأنا أسمع دقات قلبك، حيث ينطق ضميرك واضحا بغير لبس، هاديا إلى الخير، فقط الخير. لأنه قلب سكنته وعمرته محبة الله.
وبالعيد حين أهنئك يا أمي، فلتعلمي أني بوجودك في عيد، منذ تعسرت ولادتك بي إلى يوم الحق.