نثريات الخميس "27"

سنة النشر : 17/09/2015 الصحيفة : الاقتصادية

 

نثريات الخميس ــ 27

- الاستهلال:

لما تستمع لمرتّلٍ للقرآن الكريم تنساب الآيات في وجودك، تشعر أنه لا يمكن أن يهزمك شيء على الأرض، وأن السلام يساكنك، وقوة عجيبة تجول بجسدك، وطاقة نورانية تشع الراحة بداخلك وحولك وخارجك.. سعادة قصوى نسميها؛ الخشوع.

- رسالة لابنتي:

ما الذي يجعلنا سعداء حبيبتي؟ لا تصدقي أن العالم حزين وأنه يجب أن يكون حزينا. الحق أننا نستطيع أن نكون سعداء ونسعد الآخرين لما نقرر أن نكون سعداء. أومن أننا نصحو صباحا ونقرر أما نكون سعداء أو لا نكون.. بعضنا مع الأسف يقرر ألا يكون. دعيني أحكي لك قصة "لولا". لولا طفلة في دولة آسيوية في العاشرة أو التاسعة من عمرها، أراها وأنا أخرج يوميا من المكتبة الكبيرة إلى الفندق. وبين مبنى المكتبة الذي يلتصق بمركز تجاري ساحة مفتوحة بأرصفة واسعة. كل مرة أرى لولا مع مجموعة على الرصيف يشحذون، ولولا دوما ضاحكة مرحة تتقافز كفراشة حقل تتراقص على بتلات الورد.. بينما الساحة كالحة والناس عابرون سائرون لا يكترثون. لما تبعتني "لولا" تسأل مالا، رأيت عينين واسعتين عميقتين بريئتين تفيض منهما سعادة بلا حد. سألت لولا لماذا أنت سعيدة؟ قالت: لا أدري، معي أمي وأبي وأخي وأنا أحبهم، وعندنا اليوم أرز.. فأنا سعيدة. علمتني "لولا" أن السعادة قرار. في حي لاجئين سوريين حيث العذاب البشري في أقصاه، كانت هناك صورة لطفلة وطفلة يجريان حول خيمة مهترئة وضحكتهما تسع الأرض.. إنهما أحكم من كل من في سورية وخارجها لأنهما قررا في لحظتهما أن يكونا سعيدين. في لقاء تلفزيوني بأحد محطات الخليج قابل المذيع الجاد رجلا لا يكف عن الضحك لدرجة أن المتحلقين من الجمهور غشاهم الضحك، واهتز المذيع من ضحك داخلي يكتمه، وسأله: لماذا تضحك؟ فقال: "أنا رجل سعيد، وأعبر عن سعادتي"، فارتج المذيع قليلا، لكن الرجل الضاحك تابع: "ولماذا لا أكون سعيدا؟". قرر الرجل أن يكون سعيدا، لماذا؟ لأننا كلنا لسنا خالين من الهموم والقرار بأن نكون سعيدين لا يزيل الهموم ولكن يساهم في تخفيفها، وربما بحل بعضها لأن الذهن صفا وارتاح. أرجو يا بنتي أن تقرري كل يوم أن تكوني سعيدة، كي تساعدي من ترينهم من الحزينين.

وتذكري أنّي أحبك.

- الموضوع:

"ملاك أوروبا"، "قدوة الإنسانية"، "ضمير الغرب"، "السيدة الرحيمة"، "ملكة الإنسانية"، "القائدة العظمى". أوصاف قرأتها في جرائد أوروبا عن السيدة أنجيلا ميركل مستشارة جمهورية ألمانيا، والموافقة أن اسمها الأول "أنجيلا" وبالعربية "ملاك". عاصفة الألقاب تلك جاءت بعد موقفها الإنساني المشهود مع مأساة اللاجئين السوريين بقبولها أكثر من 800 ألف سوري بدخول ألمانيا، واستعدادها للمزيد. ولأنها كسرت "اتفاقية دبلن" التي اتفقت فيها دول أوروبا على عدم عبور اللاجئ لأكثر من دولة أوروبية.. بل كسرت قوانين اللجوء السياسي من أجل السوريين الذين سجلوا أكبر معاناة إنسانية بتاريخنا الحي. قبل ذلك بقليل كانت العناوين "ميركل وحش أوروبا"، "امرأة بلا قلب"، "المدمرة" لأنها طالبت الحكومة اليسارية في اليونان بالتقشف قبل حصولهم على إعفاءات القروض والمساعدات الجديدة ما يجعل حياة الفرد اليوناني شظفا. ومع السوريين انقلبت ملاكا، حتى أنهم صاروا يطلقون عليها "ماما ميركل".

- وبقي شيء:

بفضل الفتوحات الطبية والصيدلانية والعلم الدوائي والعلم النفسي صارت السعادة ممكنة في التحكم بكيمياء وكهرباء التواصل في أدمغتنا. أعرف شخصا يقتات من حياته مرض الكآبة، فهزل وخرج من عمله ونقل عائلته للهوة التي انزلق إليها تحت ثقل هذا المرض العاتي. ولما وافق على العلاج مجرد حبة صغيرة يوميا أعادته إلى بهجة الحياة.. فصار، وأهله، ومن عرفه.. من السعداء.