نثريات الخميس "26"

سنة النشر : 10/09/2015 الصحيفة : الاقتصادية

 

نثريات الخميس ــ 26

- استهلال:

رجل كان يسير في القفر الواسع فتاه، ولم يجد طريقا للخروج. تقابل مع رجل آخر فسأله مترقبا: "سيدي هل هناك طريق للخروج من هذا القفر؟" فرد عليه الرجل الغريب وقال: "لا، أنا لا أستطيع أن أدلك على طريق الخروج، ولكن دعنا نسير جنبا إلى جنب فربما وجدناه معا".

- رسالة لابنتي:

دعيني يا ساكنة القلب أحكي لك هذه القصة التي حدثت وقائعها في لندن في عشرينيات القرن الماضي، أرسل رجل اسمه "نويل كووارد" عشرات الرسائل لأشهر الرجال بلندن وأصحاب المناصب والوجاهة، وكتب لكل واحد منهم: "عليك الآن أن تخرج من لندن، وإلا كشفت كل أعمالك وفضحتك أمام العالمين". الغريب حبيبتي، كلهم خرجوا من لندن. بعضهم ربما لم يرتكب في حياته ما يصل إلى حد الفضيحة ولكن هو هذا الخوف في دواخلهم من أن هناك ربما شيئا خاطئا ارتكبوه بعلمهم أو دون علمهم، فلم يترددوا في تلبية طلب نويل كووارد خوفا من الفضيحة. كلنا نعيش شفرة مهمة، وهذه الشفرة هي: "ما يجب علينا أن نقوم به"، و"ما لا يجب علينا أن نقوم به". نقوم بأعمال بهذه الحياة دون التأمل لدقيقة واحدة، فقط دقيقة واحدة لعقد اجتماع مع أنفسنا ونفكر هل يجب أن نقوم بهذا العمل؟ أم أنه لا يجب أن نقوم به؟ والقياس اثنان حبيبتي: أولا القيمة الدينية والأخلاقية، وثانيا العواقب التي ستترتب عليه؟ ومنها الفضيحة لو انكشف العمل الخاطئ يوما، وستنكشف الأعمال، فلا حقيقة صارت في هذا الكون إلا وتخرج بوقت ما. لما نأخذ هذه الدقيقة الثمينة جدا في التفكير والتبصر بنوعية ما يجب أن نفعل أو ما لا يجب أن نفعل ستتشكل حياتنا سعادة أو تخوفا. ولا شك يا حبيبتي أنك ستختارين حياة سعيدة خالية من أي خوف أو تهديد أو عقاب متى ما فكرت فيما يجب أن تعملي به، وما لا يجب أن تعملي به.

وتأكدي أني أحبك.

* الموضوع:

الكاريزما والخطأ: كثير من زعماء الأرض تاريخيا، وقليل منهم في العصر الحالي، يتمتعون بالجمالية الشخصية القوية "الكاريزما". يحضرني الآن واحدٌ من أعظم قادة العصر القريب في أواسط القرن التاسع عشر حين ظهر رجل بمناقب نادرة، فقد كان سلوكه الغريب، وعيونه الحديدية، ونظراته النافذة الحادة والثاقبة، وملابسه المبهرجة، وقدرته الخطابية الأسطورية، وروحه الوحدوية التي لم يكن لها حدود، دفعت الإيطاليين في دولة متفرقة وإمارات منفصلة لعشقه، وهو "جريبالدي" الذي وحد إيطاليا كما نعرفها الآن بمواهبه الفردية الفذة وحماسته التي لا تخمد، وعبقريته العسكرية. وصار جريبالدي عملاقا في قلب كل إيطالي ووصلت موجة الإعجاب به كل أوروبا فقد كانت الصحافة الوليدة واسطة نفعت في انتشار اسمه. ثم قرأت كتابا تحقيقيا عن جريبالدي كتبته لوسي ريال، كشفت به عرضا فضائح أزعجت محبي جريبالدي فهو من كتب أن "الإنسان هو الله"، وهو من كتب بحماسة مندفعة متناقضا: "أنا مؤمن مسيحي وأعشق المسيحية، وعلينا أن نجعل كل أنسي على الأرض مسيحيا.. بأي طريقة!" وكان ماسونيا عريقا.. وأشياء كثيرة. هو أيضا مؤسس إيطاليا الفتاة التي نقلت الشوفينية ـــ العنصرية الوطنية- لكامل أوروبا ولمصطفى أتاتورك الذي أراد أن يمحو كل أثر إسلامي في تركيا بحزب تركيا الفتاة. وشوفينية جريبالدي هي التي شرب منها حتى الثمالة أسوأ دكتاتور مر على إيطاليا؛ موسوليني!

- وبقي شيء:

لما زرت المبتعثين الذين يحضرون الدكتوراه في علوم الطب والفيزياء والكيمياء والرياضيات وهندسة الجينات، ورأيت تفوقهم، كشاب سعودي اسمه نايف يدرس الآن هندسة الجينات المتقدمة في أعرق جامعات بريطانيا وهي أوكسفورد، وتفوق عارم للمبتعثين.. عرفت أن هناك شيئا رومانسيا في العلم.. فوقعت بحبه.