سنة النشر : 20/08/2015 الصحيفة : الاقتصادية
نثريات الخميس ـــ 24
ـــ استهلال:
حُكم على الإنسان أن يكون حُرا.. لذا فهو مسؤول، ووجبت عليه المحاسبة في يوم الحق. الإنسان مسؤول عن كل تصرفاته خصوصا على نفسه ولها، ولا يعفيه أن يلوم الآخرين. هذا هو الانسجام الذاتي الذي هو من الانتظام الكوني في الوحدة والانسجام، حيث لكل حركة خاصة، ولكن ضمن نظام متسق واحد عظيم. فوحدة الكون من كون أن خالقها واحد تعالى عن الشبه والمثل.
- رسالة لابنتي:
ما يضيع أي شخص في حياته، أن حياته كان من أصلها الانتظام ثم إما أن يسير على ما نظمت عليه أو يخرج عن هذا النظام فتنشأ الفوضى. خذي أن الإنسان الصحيح صحة وعقلا وتصرفا يا بنتي يفيد نفسه وينفع مصلحته، ولكنه في ذلك، سواء أقصد أم لم يقصد، يكون رافدا منتظما يصب في هذا النهر الكوني العظيم في استقامة ونظام ووحدة مساره من المنبع إلى المصب. وأن من يخرج بتصرفاته فيصم نفسه ويضرها آجلا أم عاجلا يسهم في إرباك عالمه، ولكن العالم له هذه الميكانيكية ليعيد الأمور لنصابها، مثل المناعة بالجسم التي تحارب الميكروب لتعيد الصحة لطبيعتها، مثل الشرطة التي تعيد للمجتمع أمنه. وأثبت علماء البيئة والأرض والأحياء قدرة فريدة على قدرة أمنا الأرض على إعادة توازناتها رغم عبث الإنسان الكبير بها، والذي أثر على الإنسان نفسه، فهي دائرة من الأشياء تبدأ من السبب والمسبب وتعود إليهما. أريدك يا بنتي أن تكوني واضحة في ماذا تريدين ضمن نفع ذاتك الذي يصب في النفع العام، وأن تراجعي مراراً وتكرراً لماذا تريدينه. وعندما تتضح رؤيتك، يجب أن تكون هذه الرؤية بالحال قرارا.
وتذكري أنني أحبكِ كثيرا.
ـــ الموضوع:
دور التبغ والسجائر من أكثر الموضوعات بحثا بكل المجتمعات وبالذات الصحية. يتفق الجميع على ضرر السجائر ولا يختلف عليه أحد، من زارعه، لصانعه، للمتاجر به، لمستخدمه الأخير. ويتصدر التبغ القتلة في العالم فهو مسؤول عن وفاة أكثر من عشرين ألف شخص في العالم.. يوميا. بينما يحرم الكوكايين وهو من نبتة الكوكا، ويحرم الأفيون وزراعة نبتة الخشخاش، وهما لا يزيدان على السجائر ضررا في المسألة الصحية الجسدية! بل لا ينسجم المنطق ولا الانسجام الكوني العام، ووحدة غرضه، مع التبغ وأضراره. وتعوّق المنطق هنا أننا نعلم ذلك ونستمر! الجميع متآمر خصوصا المدخن الذي حُكم عليه أن يكون حرا فيكون مسؤولا وأول مسؤولياته عن نفسه ثم يضرها ضررا فادحا بالتدخين، ويرضى أن تذله وتستعبده سيجارة. نعرف أن شركات التبغ تدخل مبالغ فلكية للخزانة الأمريكية من الضرائب وأشياء تابعة فبقي استخدامها قانونيا، رغم تحذير مجلس الجراحين الأمريكي في تقويضها للصحة العامة. ولو سرنا على هذا المنطق فأفغانستان والبيرو من حقهما مثلا أن يطالبا بالسماح للأفيون والكوكايين لذات المسألة الاقتصادية الأمريكية.. وربما أحوج. وأكثر تمزيقا لروح المنطق وضع ملصق التحذير بعلبة السجاير، ولعلها أكبر نكتة.. نكتة سوداء لا تضحك أحدا، بل تزهق الأرواح!
ـــ وبقي شيء:
كل قرارات حياتنا تنصب على الألم والسعادة. أي نعيش حياتنا متجنبين أي مصدر للألم، ونعيشها نجري وراء أي سبب للسعادة. ويثور هنا نقاش أيهما أكثر تأثيرا. من ناحية بيولوجية بحتة وضعت بنا غريزة تجنب الألم أقوى من البحث عن السعادة. فنحن نكره الألم أكثر مما نحب السعادة. لذا لمقاومة أي إدمان وعادة ضارتيْن يجب أن تبدآ بالألم، كأن تُسن قوانين مالية وعقابية، حينها ستتبدل الأمور.. لن تختفي، وهذه سنة كونية، ولكنها ستخف كثيرا.