نثرات الخميس - 15

- استهلال:

يا درة وسط الخليـج تلألأت

وزهت عليه بنورها الوقاد

تلقى النزيل بمثل شهد نخيلها

وتضمه بالصدر والأعضاء

الشاعر الكويتي خالد الفرج، وقد أنس بالبحرين وأنست به قبل 93 سنة.

- رسالة إلى ابنتي:

يا ساكنة القلب، الشخصية التي تبحر في الحياة واثقة بهذا الزحام الهائل هي الشخصية المستقلة، والشخصية التي تتعثر وتسقط وتتألم هي الشخصية التي تربط نفسها بآراء الآخرين، فتصدق ما يطلقونه عليها ولو كان غير حقيقي. عندما نرى حبيبتي الناس كما هم دون أن نأخذ ما نراه بهم ومنهم بصفة شخصية فلن يؤلمنا ما يقولونه عنا، أو ما يصفوننا به. لو كذب عليك الناس مثلا، فلا مشكلة، لأنهم في الحقيقة يكذبون على أنفسهم، لماذا؟ لأنهم خائفون. لماذا هم خائفون؟ هم خائفون من أن نكتشف شخصياتهم على حقيقتها، وأنهم غير كاملين. انظري يا بنيتي؛ مؤلمٌ أن نخلع هذا القناع الاجتماعي، ومعظمنا يضع هذا القناع بتبرير وبلا تبرير، لأننا نخفي شيئا لا نريد أن يكتشفه الآخرون. معظمنا يخرج على الناس بهذا القناع الاجتماعي فيقول ما لا يفعل في خصوصية حياته، خوفا من النقد أو غضب المجتمع. ما الحل؟ الحل يا أميرة الفؤاد أن نتعلم أن نكون صادقين مع أنفسنا، ويجب أن أحذرك أنها عملية طويلة وشاقة ومؤلمة أن نحقق هذا الصدق مع أنفسنا، أن نظهر أمامنا كل شيء يصم شخصياتنا ونعترف به، كما نظهر حسنات شخصياتنا ونعترف بها. منا من يعلم أنه سيء ويتظاهر أنه الأكمل، وهنا جاء ما سماه علماء النفس مركب النقص. ومنا من يكون ذكيا ولكن غير واثق بنفسه فيصدق ما يقوله الناس عنه سلبا ويأخذه بشكل شخصي فيضع السلاسل على عجلة تفوقه الذهني. الجميل في مناقشة النفس ومصارحتها أنك فعلا ستتألمين ببعض حقائق عن نفسك، ولكنه ألم يختلف عما يسببه الناس لك وتأخذينه شخصيا. الألم من الناس يرتبط ويمتزج بنسيجك الحي ويدمرك من الداخل، بينما ألم الاعتراف ألمٌ مستقل عنا ما يجعلنا نشخصه فنعالجه وننهيه.. ونذروه مع رياح الحقيقة.

- شخصية:

كلما مررت بالبديع في البحرين تذكرت هذا الشاعر الفذ.

أنجبت الكويت شعراء عظماء، وسبق أن خصصت مقالا عن ذلك. اليوم أحدثكم عن شاعر اتفق شعراء العرب قبل 90 عاما على تسميته شاعر الخليج. وأقصد الشاعر اللامع الذكاء خالد الفرج. لماذا وصفته بالذكاء اللامع؟ في أيامه أوائل القرن العشرين كانت الكتاتيب سائدة في الكويت، وكانت هناك كتاتيب متفوقة مثل التي درس فيها خالد الفرج وكانت من ستة مستويات. الذي حصل أن خالدا تخطى المستويات الستة التي تتطلب ست سنوات في ثلاث سنوات فقط، وصار يدرس في الكتاب ذاته ونقله عصريا، فسبق زمانه. ترك الكويت للهند كما يفعل الشباب المتوثب في زمانه، وعمل عند تاجر كويتي وتعلم الإنجليزية وبعض لغات الهند، ثم ترك الهند للبحرين. لماذا البحرين؟ كانت البحرين منذ قرن من الزمان تغص بالفكر والعلم بشكل فائق سجله المقيمون والإداريون الإنجليز أيام كانوا حكامها، وكان مفكروها عربا خلصا تثور في حميتهم القضية العربية والاستقلال العربي، ولك أن تعرف أن مفكري البحرين في ذاك الوقت أول من نبه لمكر الإنجليز في فلسطين خصوصا حقيرهم وزير خارجيتهم آنذاك "بلفور" من عام 1917، قبل أن يخرج بوعده المشؤوم. وهذا ما جعل خالد الفرج يقيم بالبحرين، فقد أحبته كما أحبها وقرَّبه حاكمها الذي كان عنوانا للعدل الشيخ "عيسى بن علي آل خليفة"، وجعله أستاذا في مدرسة "الهدايا الخليفية". أما ما علاقة مدينة البديع بالشاعر، فهو أنه صادف وجود أبناء قبيلته "الدواسر" في البديع التي يسكنون بها، فاحتفوا به وجعلوه ضيفهم الخاص طيلة إقامته في البحرين.

- وبقي شيء:

"نشر الحزن على الشرق سحابا يملأ النفس هما واكتئابا

نكباتٌ تتوالى فوقه لو أصابت قاسي الصخر.. لذابا"

خالد الفرج.