سنة النشر : 12/02/2015 الصحيفة : الاقتصادية
نثرات الخميس ــ 9
- رسالة لابنتي:
هل نحن محتم علينا ألا نخطئ؟ هل الخطأ وصمة عار؟ هل للخطأ حجم لا يمكن مسحه أو تعديله، أو تغييره؟ اسمعي جيدا يا ابنتي. ليس الخطأ سهلا، وليس العفو عنه أيضا سهلا، وبعض الناس يغفر بسرعة، وبعضهم لا يغفرون مطلقا. لذا يجب أن نعمي أعيننا عن اللوامين الدائمين، ونفتح كامل بصرنا على الداخل لإعادة برمجة ما نفكر فيه وما نؤمن به في أعماقنا. في دواخلنا، يا ساكنة القلب، غرف لأفكارٍ ومعتقداتٍ وسلوكٍ ولا بد من زيارتها من حين لحين لتغيير أثاثها ونفض الغبار عن الأبواب والنوافذ وتنظيف الجدران من العوالق، وهنا تكون إعادة البرمجة. ترك تلك الغرف مهملة والاستمرار في الانحراف والخطأ قد يصير مع الزمن عادة، فيتعمق أكثر ويصبح الخطأ مباهاة وترفّعاً وتكبرا ونرفزةً في النقاش، وقوة سليطة في الاعتراض، فاحذري فهذا أكبر مأزق يقع به أي إنسان في سلوكياته وأخلاقه ومبادئه وحتى في تربيته ونشأته. لذا أقول لك يا ساكنة القلب، لا بأس أن نخطئ ولكن علينا أن نعرف أن شيئا ما انحرف عن السلوك العام .. وهناك انحرافات جيدة، وهناك انحرافات سلبية. قد تسألينني يا غاليتي، وكيف أقيسها يا أبي؟ نقيسها بمعاييرٍ ثلاثة: الدين، ثم الأخلاقيات التي تعارف عليها مجتمعك، والزيارة الدورية لنفسك الداخلية ومصارحتها بتصرفك وسلوكك ومبادئك. تحت هذه المظلات الثلاث ستسيرين باطمئنان وثقة لأي مسعى، في أي رحلة، لأي هدف. وإنك إن اتَّبعتِ هذا، فإنك بإذن الله من الفائزين.
- الشخص الثاني:
هل الشخص الثاني من المظلومين في التاريخ. أظن نعم، أو أنها بركة ومعاناة معا. في السياسة نرى أن الرجل الثاني مجرد ظل باهت وشاحب حتى في أكثر الدول ممارسة للديمقراطية، فنحن لا نعرف إلا الرؤساء والزعماء وقليلا ما نعرف عن نوابهم شيئا. وإن عرفناهم عرفنا أنهم فعلا في الظل وبهامش الذكر. لكن ما علينا من السياسة، فبنثراتنا هذه لا نتطرق لمسائل وقتية، ولكن لمفاهيم عامة. من فعلا أقف معهم وأفكر فيهم وأحسبهم من مظاليم الأرض، هم مساعدو العلماء والمخترعين في الإنجازات والفواتح العلمية الكبرى. من أكثر الاختراعات حضورا هو هذا الجهاز العجيب بين يديك؛ الهاتف المحمول. كلكم تعرفون أن "ألكسندر جراهام بيل" المخترع الرسمي للتليفون "قبله محاولات كادت تصل"، ولكن من يعرف المسكين الذي وقف وراءه بل معه وبجانبه ليتم إنجاز الاختراع العظيم الذي غيّر مسار الحضارة البشرية؟ إنه عالِمٌ آخر، صدقوني هو بحجم ألكسندر بيل اسمه "توماس واتسون" وهذا اخترع موصلات ومحركات ومعادن توصيل ومفاتيح كهربائية وإلكترونية لتجعل اختراع التليفون ممكنا. لقد واصل "جراهام بيل" الليلَ بالنهار لسنوات بجهد لا يقدر عليه إلا من نذروا أنفسهم للأهداف العظمى – لذا أقول دوما المتطوعون هم من غيّروا العالم - ولكن هل كان "واتسون" نائما أو يتسدّح في المعمل. لا، طبعا. كان يعمل الجهد ذاته، إن لم يكن أكثر، بصف جراهام الذي ذاع صيته .. بينما خفت صيت واتسون العالم الكبير والعبقري. هل تريدون أن تكونوا الرقم اثنين؟ فكروا جيدا.
*.. ولذا:
إن أخطأت، المهم أن يتبين لك الخطأ. ثم إن الوقوع بحفرة الخطأ ليس عيبا ولا نقصا، والعيب والنقص هو البقاء في الحفرة.