نثريات الخميس "8"

سنة النشر : 05/02/2015 الصحيفة : الاقتصادية

 

نثرات الخميس ــ 8

ـــ رسالة إلى ابنتي:

من أجمل وأحلى وأرق وأبقى لظات حياتي، يا ساكنة القلب، هو لما أهديتني قلماً. لم يكن القلمُ مجرد قلم، بل عالم كامل من الحب يا حبيبتي. أذكر أنكِ قلتِ لي: "لماذا يا بابا فرحت كل هذا الفرح في النهاية هو من مالك، واشتريته ببطاقتك". قلت لك وقتها: "يا ماما. ليست مسألة شراء، بل مسألة أنك تتذكرين والدك في كل حين فلا يغيب عن قلبك، ولا يبعد عن عقلك، ويسكن خلايا وجودك الحي. أنتِ يا ابنتي أهديتني القلمَ وبغير مناسبةٍ ولا ظرفٍ يحثّ الذاكرة أو يوقظ القلب، لذا كان وقعُ الإهداءِ فرحةً جرتْ في نسغ الدماء، وظهرت هذه الإشراقة الفرِحَة على وجهي. الحقيقة لم أقل لك كل شيء. القلم لم يعد يغادر جيبي، إنني أعتقد أنه مربوطٌ مباشرة بحبل حبك لسويداء القلب، ولو سحبته لسحبتُ معه قلبَ القلب، ليس فقط لأنه إهداء من وحيدتي، ومن أعطت للحياة ألوان قوس قزح فتأرجح فؤادي بين ألوانه، بل لأنك أهديتني قلما، ولم تهديني شيئا آخر، لأنك تعلمين ولـَعي بالأقلام وكيف أنها تسحرني وتجذبني ولا يشبع نهمي لها كثرة الأقلام عندي، وهنا لمعةُ حبٍّ برقيةٍ خاطفة، تلك التي تضرب القلبَ بقوةٍ ثم يبقى الأثرُ قويا. إنكِ تعرفين طبع أبيك وسلوكه، تعرفين دقائقه وكل شيء عنه. قيل لي كثيرا: "هل لديك نوع من العارض النفسي في تولعك هذا وجمعك للأقلام؟"، وقد يكون ذلك صحيحا يا طفلتي، من يدري؟ إلا أنتِ لم تري ضعفَ أبيك ولم تفسري ولعَه الغريب، بل أحببته فقط، كلما تعرفين أنك تحبينه وترينه الأصحَّ، والأكملَ ولو قال العالمُ غير ذلك. أرجو أن تتذكري، وكل فتاةٍ، أن تهدي أباها شيئا ولو من ماله وبغير مناسبة .. وبالنسبة للأبِ، فهي الحياة التي ترافق الحياة!

حان الآن، كعادتي، أن أقبِّل القلمَ قبل أن أضعه بجيبي مرة أخرى .. ليتساوى قلبي بمكانه.

- تأمّل:

اخلطوا حرارة الشمس مع دورة كوكبٍ مليءٍ أكثره بالمياه والمنتج هنا هو الطقس. هذا الطقسُ يتغير يوماً بعد يوم ولا يستقر على حالة واحدة بفعل هذا الغلاف الجوي حزام الحياة والدفاع لهذا الكوكب الأزرق. تأسيساً، المناخُ بسبب هذا القرص الكبير المتفجر بمليارات القنابل الهيدروجينية، الشمس. الشمس تسخن الهواء وتركز على النطاق الاستوائي الشاسع، أكثر بكثير من القطبين. الهواءُ الساخن يرتفع، والهواء البارد يتهاوى. هذا الاختلاف في الكتل الهوائية الكبرى يبدأ بالحركة. هذه الحركة هي ما نشعر به بالرياح. طيب، ألا ترون أن هذا أيضا تركيبتنا الحيوية والسلوكية؟ فانظر أن الغلاف الجوي يتبدل من حال إلى حال، فهو يسبب النسيم العذب، كما يسبب الأعاصير وهيجان البحار. أليس ذلك مشابهاً لمزاجنا اليومي، فنحن خلقنا بأطراف عصبية حساسة في دواخلنا وما تتلقى من الخارج، وأرى الشمسَ هي النفس التي تتفجر بالطاقة فتحرك عضلاتنا كما تتحرك الرياح من النسائم للعواصف. وهنا يأتي عنصر اسمه العقل خلقه اللهُ هبةً ونعمة كي نتحكم في أمزجتنا، ونسخر طاقتنا للعمل والإعمار. انظر أن العقل سخر حتى عناصر الكون الكبرى لمصلحته فنحمد الله على قوة هذا العقل الذي تحكم بقوى أكبر منه بمراتٍ لا تُعد .. فهل يصعب عليك ـــ بعقلك ـــ أن تتحكم في نفسك؟

ــــ وتذكروا أن الطاقة التي بداخل كل نفس من أنفسكم إن أُشعلـَتْ محركاتِ الطموح والعمل لديكم، فإنها ستشعل محركاتِ من هم حولكم. هكذا يتغير العالم.