سنة النشر : 23/09/2008 الصحيفة : اليوم
أريدك يا قارئي، كرماً منك، أن تحفظ هذين الاسمين لفتاتين من «بنات الدمام» وهما فاتن العتيبي، وإيمان الربيعان.. فهما بدأتا بصناعة تاريخٍ جديدٍ لعمل جديد، إنهما من حوّل فكرةَ «بنات الدمام» إلى مشروع على الأرض.. هما البنتان الوطنيتان اللتان تثبتان أن الانتماءَ للوطن ومحبته ليس فقط كلاما يجري من حبرٍ على ورق، وليس فقط أغاني ونشيدٍا حماسيا، بل هو عملٌ وجهد، وتثبتان أن حبّ الوطن يُتـَرجمُ شاهقاً عندما تختلط قطراتُ العرقِ مع ترابِ الوطن..
بدأت هاتان الفتاتان تقريبا من الأرض الممسوحة: لا شيء! بدأ أولادُ الدمام، وتكاثرت مشاريعُهُم وعلـَتْ حماستـُهم، إنما البناتُ لما سُئـِلتُ فكنت أجيب بأن يتريثن الخطوةَ حتى يتشكل بوضوح «أولاد الدمام»..
ولكن فاتن وإيمان لم تستمعا لي هداهما الله.. بدأتا. وإذا هن الآن عشرات الفتيات، وبرامجهن عمِلـَتْ، وتزايدت مشاريعهن بتواتر الغيث المنهمر.. شيءٌ مبهرٌ حقاً. وأثبتت هاتان البنتان خطئي وسوءَ تقديري. وافرحني ذلك، فلا يهم رأيي، الذي يهم همـَّةُ الجيلِ الطالع الذين يجب أن يؤمنوا أن التغييرَ لا يهبط من السماء، بل عليهم أن يحفروا بحثا عنه بأظافرهم العارية تحت الأرض.
هاتان الفتاتان هما من أقدمهما فخورا من أجل وطني، من أجل كل بناته، وكل أولاده، وكلـّنا.. ليس لأنهما فاتن وإيمان، ولكن لأنهما تثبتان لنا – قبل العالم- أن بناتنا من أروع وأقدر البنات، وإنه لا ينقصهن حماسُُ أجيالهن المناظرة في أعرق البلدان عملا بالتطوع، وقد يكون بهن المزيد.. إنهن بشجاعةٍ يغيرن الصورة النمطية التي بدأت تشيع عن تكاسل الفتاة السعودية واتكالها وحجرها، وإذا هن، ماشاء الله، مولـِّدات عملٍ لا يهدأ.. وقلوب تضج بالنشاط تريد أن تعيد تشكيل الواقع إلى واقعٍ أفضل.. و»كيتس» الإنجليزي الشاعر يقول ان شجاعة فردٍ واحد تشكل أغلبية، فما بالك بشجاعة فتاتين.. بل بشجاعةِ عشرات الفتيات «بنات الدمام».. يالكـَرَم الله!
لكم هو جميلٌ الشعور بأن الشيءَ الذي لا تكتفي من الأخذ منه هو حب وطنك لك، وأن الشيء الذي لا تريد أن تقف عن منحِهِ هو حبك لوطنك..
هل كان بزوغ «بنات الدمام» وحيدا يتيما؟ تعطي شخصيات هذا الوطن الدليلَ والنبراسَ بأن حب الوطن عدوى فاخرة تسري في نسغ شفاف بجسد كلِّ واحدٍ منا متى تفشـّت.. فهاهي السيدة الدمامية السعودية سارة الخثلان تقف شامخة وتمد يدَها لبنات الدمام، وتحتضنهن بجمعٍ تنسيقي تحت سقفِ مقرها الاجتماعي»أربعائيات»، وكادت البناتُ يطرن فرحا وكأن هدية قشيبة هبطت من السماء.. ولم تكتفِ السيدة الخثلان بل شجعت حماستهن لإقامة سوق عمل خيري يقام هذه الليلة على كورنيش الدمام بمناسبة يومنا الوطني. ويثبت آل المجدوعي حبا حادبا ومشجعا لشباب وشابات هذا الوطن وانتماء متجذرا لمدينتهم بدعم المنشط الشبابي، وتقدم السيد هشام العبدالرحمن الزامل بدعم مفتوح لبنات مدينةٍ أحبها وشهدت تجاربه من الصغر حتى صار ما هو عليه اليوم. والحبلُ على الجرار..
علمتني بناتُ الدمام أن حبَّ الوطن طريق، وليس موقف انتظار، ولا هو محطة وصول. وأن السعادة بالسفر على الطريق، وأنه ليس هناك طرق مختصرة للعمل الوطني التطوعي بل شاقة وطويلة، ولكن تغسلها الشمسُ بشعاعاتِ الرضا. يعلمنني ان لا أسمح لأحدٍ بعد الآن أن يقلل من روحي وقيمتي بأن أشتكي من وطني، أو آسف لناسِه. مسئوليتنا جميعا لنكون سعداء راضين، هو العملُ من أجل وطنٍ راضٍ وسعيد..
علمتني بناتُ الدمام أن التغييرَ لا يسقط عند قدَمَي، بل يجب أن يبدأ من عندي، ومنـِّي وإليّ.. بأن أحرِّكِ قدَمي!
من تجربة بناتنا وأولادنا بالدمام والخبر ( ولاحقا بإذن الله مدن البلاد) وعينا على حقيقةٍ فيضية الجمال، بأن الواجبَ هو ما يمليه علينا النظام، أما الالتزام التطوعي فهو ما يمليه الضميرُ والقلب.
بنات الدمام سيكُنَّ جزءا من يوم الوطن.. الوطنُ الذي عرف أولادُنا وبناتنا كيف يحبوه.