سعيٌ نحو السعادة (3)

سنة النشر : 06/09/2008 الصحيفة : اليوم

 
.. هذه هي الحلقةُ الثالثة من المقالاتِ الرمضانية «سعيٌ نحو السعادة».
 
وقد كان المقالُ السابقُ عن معنى السعادة، وكيف أنها إن لم تكن نابعة من الداخل فلن تجدها ولو دُرْتَ العالمَ مِرارا بحثاً عنها، وأن السعادة قد تكون بقربك لو طالعت ونظرت بعين الفضيلة والخير والتفاؤل مثل نجمة السماء، تراها بمسافات الفلكِ بعيدة ملايين السنين، ولكن بالقلبِ الرضيِّ السعيد فهي قريبة إليك لأنها تضئ كل شيء حولك، وحولها.
 
وقلنا من السعادة أن تؤدي عملا فاضِلا لنفسِك، فالسعيدُ من يقول عنه الناس أنه صادق، أو عادل، أو موثوق، ومن ضروب السعادة المسْفِرة أن تؤدي عملا فاضلا يتعداك، فيقعُ خيراً على الآخرين.. ومثالنا اليوم عن فاطمة هو في هذا المسار، مسارُ أن تـُسعِدَ الآخرين فتكون أنت من السعداء.
 
فاطمة هي الشابة السعودية من أمٍّ مصريةٍ التي شرحنا ظروفـَها هنا في مقالةٍ بعنوان: «من قطعَ الحبلَ بفاطمة؟»، والتي جاءت من مصر لتنال أوراقـَها الثبوتية ظنا أنها رحلة أيامٍ فتعود لأمِّها وتواصل دراستها، فإذا هي تغرقُ في رمالٍ زمنيةٍ متحركةٍ تعدت السنواتَ الثلاث بظروفٍ مأساويةٍ وتـَيْه مُظلم بلا كُوَّةٍ صغيرة للأنوار.. فأوراقـُها تأخرت، وصار لها من الأحداث ما ليس مسوّغاً تكراره الآن.. فاليومُ حديثنا السعادة، وقد وضعنا الشقاءَ والحزنَ في صندوقٍ من رصاص، وأوثقناه بالسلاسل وألقيناه في أعماق البحر..
 
يوم ظهر المقالُ، وردتني المكالماتُ الكثيرة تريد أن تساعد فاطمة بأي طريقةٍ وبأسرع وسيلة، وامتلأ بريدي برسائل من جهاتٍ وأشخاص من كل مكان وطبقة يريدون أن يساعدوا فاطمة.. حتى أن وجهاً اجتماعياً معروفاً كلمني وقال أنه قرأ الموضوع وهو في الطائرة مع عائلته فأبكتهم فاطمة جميعا، وحرص على الاتصال أكثر من مرة يسأل عن أحوالِها ليطمئن، ولأن أصغر بناتِه لم تعد تنام همـّا مع أنها في المنتجعات السويسرية لأنها تفكر في فاطمة..
 
الموضوعُ الذي كُتِبَ عن فاطمة أثمر بثمرةٍ كاملةِ النضج، طازجة وحافلة بالعافية. لقد حرص كثيرون ومنهم رسميون في وزارةِ الداخلية على الإسراع بالموضوع بعد أن تفهموا مأزقَ فاطمة الخاص، وجاء الخبرُ لفاطمة ولنا أن الموضوعَ انتهى أو أنه كاد ينتهي، وقريبا ستذهب فاطمة سعيدة إلى أمِّها في مصر فخورة بوثائِقها السعودية.. وسيلتئمُ قلبان تفطـَّرا شوقاً ولوعةً لسنين.
 
كل موظفٍ عمل لإنهاء أوراق فاطمة وأسعدها ووالدتها، وأنهى معاملات الناس، هو من زمرةِ السعداء، وسيتناول فطورَه، ويُمْسِكُ على آخر لقمةٍ وهو مطمئنٌ أمام ربِّه ثم أمام ضميره ووجدانه، وهذا أحفل أنواع السعادةِ وأبهاها.. والأستاذة الفاضلة شريفة الشملان، الأديبة المعروفة والمسئولة عن حقوق الإنسان بالمنطقة، اتصلت وأخذت تفاصيل فاطمة، وغابت..
 
ولكن أعمالها لم تغب، فحظيت فاطمة بالرعايةِ والحدبِ، ولو تعلم السيدةُ الشملان أن مفهومَ الانتماءِ قد انقلب من راسٍ إلى عقب لدى فاطمة لتضاعف حجمُ سعادتِها بأن تعود فتاةٌ سعودية للإيمان ببلدِها والانتماءِ له بعد أن كادت تفقد هذا الرباط.. ولا نشك إن شاء الله إلا أن السيدة الشملان سعيدة بسعادة فاطمة، فهي إذن من السعداء.
 
أشكر من كل قلبي الفتاتين السعوديتين اللتين حرصتا أن تزورا فاطمة في مكانها (العام المؤقت) ويرتبطا معها وبها شعورا وعاطفة، فيُسـَرِّيان عنها، ويقدِّمان لها بصفتهما الخاصة الهدايا المعبِّرة عن الحبِّ والأخوةِ، فعَظـُمَت سعادةُ فاطمة وشعرت أنها انتقلت من الحضيض المظلم إلى سهول الأنوار والمحبة..
 
هاتان الفتاتان أسعدتا فاطمة، وستسعدان أكثر حين تعرفان أن موضوعها أوشك على الانتهاء.. ونجزم أنهما حين يريان فاطمة سعيدة ستكونان هما من زمرةِ السعداء.. السعادةُ هي أن تقطف نجمةً وتضعها في قلبِ الظلام. وما أكثر النجوم...