سنة النشر : 02/09/2008 الصحيفة : اليوم
للأخلاق جمالٌ، وجمالُ المدنِ في سلوكيات مجتمعِها.. كما أن الشخصَ الخلوقَ نقول أنه شخص جميل، كذا المجتمع عندما يكون خلوقا يكون جميلا.
وكي نكتسب هذا الجمالَ الاجتماعي، لابد أن ينتشر بين الأفرادِ الوعيُ الاجتماعي. وهو أن يشعر كل فردٍ بالمجتمع بمصالح مجتمعه كما يشعر بمصلحته الخاصة، ويفهم ويؤمن أنهما مرتبطان ارتباطا عضويا لا ينفصمان.
في غياب «الوعي الجماعي»، ما الذي نحصد؟ نحصد شرَّ المحاصيل، وأمـَرَّ الثمارِ، فكأنك تعبتَ وحرثت كي تتجرع المرار.. عندما يغيب الضميرُ الاجتماعي تتفشى أمراضٌ كالأوبئةِ، وهي: الفردية، والأنانية، والمصلحية الذاتية الضيقة، فتتكوّن المادةُ الآكلة المفتتة للتلاحم بين الفرد ومجتمعه، فيطير كلٌ في فلكٍ، ويسبح كلٌ في تيار, وتذوب أواصرُ الفرد مع مجتمعه المحيط.. فتستيقظ الآثامُ، وتنمو الجريمة، ويعم الاستهتار.. يعني: تتحكم الفوضى، والفوضى تعاسة. والنظامُ والتواصل سعادة. أثبت شبابُنا وشاباتـُنا أنهم يريدون أن يُحدِثوا تغييرا، أن يصنعوا تاريخـَهم بأيديهم، بدءاً من يومهم وحاضرهم.. ولم تقوَ أمةٌ في الأرض إلا لما تستيقظ همّةُ شبابـِها.. إنه قانونُ قوةِ الأمم.
شبابُ وشاباتُ الدمام، لا يدّعون الريادة، فأولادُ الخبر وبناته أنجزوا من قبل نجاحاتٍ خفـّاقة، ومازالوا. إنما أولادُ الدمام وبناته لما اجتمعتُ بهم قبل ثلاث ليالٍ، شعرتُ وأنا خارجٌ منهم أن الضياءَ يغمرُ الليلَ، فاستحال نهارا. خرجتُ منهم وأنا واثقٌ بشباب مدينتي، ومطمئنُ بالثقة بشباب بلدي.
لما نترك الشبابَ يعملُ ويفكرُ وينتج.. فهم في صفةٍ واحدةٍ: مذهلون.
في الصالةِ المرتـّبة في «بيت الأفكار» وهو مكان تركناه للشباب فأحالوه بأياديهم إلى روضةٍ فكريةٍ عاصفة الأناقة، وسبق أن أفردتُ مقالا عنه.. شرح لي الشبابُ أفكارَهم وفلسفتهم وآمالهم وحبهم.. وكانت روحي ترقص طربا، ولسانُ حالِ عقلي: «آن أن ترتاح، فحاملو الشعلة ماضون في السباق.»
أوضح الشبابُ ما قاموا به من أعمال في وقتٍ قصير، وأعجبني أنهم التفتوا أولا للمرضى والأيتام، ولن يكون الوقتُ مناسباً لشرح ما قاموا به، ولا هم آذنوني.. ومناسبة ً، أودّ إزجاء شكري وامتناني لمديرية الشئون الصحية التي بادرت باستضافة الشباب وتشجيعهم، وفتح عنابر المرضى لهم كي يؤدون واجبهم تجاه أهلهم وأحبائهم المرضى، وكان اهتمام الدكتور طارق السالم مدير الشئون الصحية لافتا ومحمِّسا كما كرّروا عليّ مرارا، ومدير عام المستشفى المركزي، والعلاقات العامة بالشئون الصحية.. وهذا فضلٌ لا ينساه الشبابُ ولا ننساه نحن كأفراد مجتمع، أن تبادر مصلحةٌ رسميةٌ مهمةٌ باحتضان رغبة الشباب بالعمل التطوعي وتـُذكي قبَساً طيـّبا في نفوسِهم لحب العمل العام، وأني واثق أن الجهات الحكومية الأخرى ستبادر لتشجيع ولقاء هؤلاء الشباب الجميلين بأخلاقِهم وأعمالِهم وحماستهم، وارتباطهم مع مجتمعهم..
«نحن، يا أستاذ» يقول الشبابُ: « فلسفتنا ليست نصب أعمال منافسة لأي مرفق نفعي حكومي أو خاص، ولكننا نأمل أن نكون الذراع التطوعية لكل مرفق من هذه المرافق، نحن لا نريد أن نكون عضوا جديدا ينفاس عضوا قائما من أعضاء جسد المجتمع، إنما نحن كالدم الذي يدور في الجسد الاجتماعي ويرفد خدمات ومهام أي عضو عامل. نحن لنا تطلعات خدمية في النظافة وتنمية أخلاقها وهنا سنكون ذراعا تطوعية تحت خدمة الأمانة، وأفكارا لسلامةِ المرور وسنكون ذراعا تطوعية تحت خدمة إدارة المرور والشرطة، ولدينا أفكارٌ تعليمية وتدريبية وسنكون أذرعة تطوعية للمرافق التعليمية والتدريبية وشركة المعارض.. نريد أن نرسم الابتسامة والنظافة والحب والصحة في مجتمعنا فنأمل أن نكون ذراعا تطوعية لأي مرفق سياحي أو تجاري أو خدمي أو تطوعي أو خيري.. نريد أن نصير كالهواءِ موجودون غير محسوسين، كالدم في كل شبر مهما تناثر جسد المدينة وكبر.. نريد أن نرحب بضيوف أي مصلحةٍ خاصةٍ أو عامة من المطار ونودعهم متى طلب منا ذلك.. نريد أن نرتقي بكل الأحياء بلا تفرقة.. وبصفتنا أذرعة تطوعية تلبي رغبات أعضاء قائمة..»
«نريد أن نكون صمغ الحب في مجتمع المدينة..» قالوا وهم يودعونني، وعيونـُهم الفتية تبرق بسعادةٍ باهرةٍ، وإصرارٍ خفي..
.. ثم مشيتُ على الأرض سعيدا.