رجاءٌ لرجل الحوارات في الأمة

سنة النشر : 27/02/2012 الصحيفة : الاقتصادية

 

صديقُنا الكبير معالي الأخ فيصل بن معمر.. هذا رجاءٌ لك.

طرحتم موضوعاتٍ كثيرةً في مداولات الحوار الوطني، إنجاز ممتاز. على أن هناك موضوعاً عن جسم غازٍ يدخل نخاعَ الأمّةِ فيسري به، والنخاع من أهم مولدات المناعة ومصنع الخلايا بالجسد، ولا يصلح الجسدُ إن لم تصلح خلايا نخاعه. أيُ جسمٍ غريبٍ لا توجد بالجسم مضادات مسبقة له يستفحل بسهولة استفحالِ نقطة حبرٍ بماء شفاف. وإن صبرتَ معي يا صديقي الكبير فلي عودة لرجائي لك.

أقيمت يوم السبت الماضي ورش العمل الأولى لتأهيل المقبلات والمقبلين على الزواج بمركز مؤسسة الملك خالد الخيرية، وحضرها وزير الشؤون الاجتماعية ومجموعة من الفاضلات والفضلاء أصحاب العلم الشرعي والطبي والنفسي.. ومن عوام الناس مثلي. ولا بد أن نعترف أن ''مودّة'' الجمعية قامت بعمل سبقتنا فيه، وهنا روحُ العمل الأهلي التطوعي، إنه كالرادار اللاقط، أو كجهاز الاستشعار عن بُعد، يستشعر الخطرَ القادم فيتنبّه له، ويستشفّ الخيرَ القادم فيعد آليات وأوعية الإفادة القصوى منه، عمل يتمتع بالمبادأة والمرونة بعيداً عن الصرامة الهيكلية النظامية التي تحدّد الأطر، ولا تضع حلولاً على الواقع الآني، وهنا الأمر ليس قصوراً وليس عيباً، بل هو من طبيعة التكامل لما تسبقها صفة التلاؤم.

''مودة'' الجمعية استشعرتْ أن الطلاقَ لم يعد كما نقول بجمل مقولبة: ''ظاهرة جديدة، أو ظاهرة صغيرة'' لا، صارت تعطي لوناً قاتماً لماء الغدير الشفاف، أو الذي كان شفافاً. إن معدلات الطلاق بكلمة صريحة: صاعقة. لا تخلو عائلة من تجربة طلاق، والطلاق في بلدنا له عواقب كبيرة، وهذه العواقب هي من نوع ما يعرفه الأطباء بالعواقب التي تكون أشدّ وطئاً - خطراً - من المرض. ما الذي جرى؟ ما الذي تغيّر؟ هل هي ضريبة ندفعها لازمة؟ أم إهمال مع ثوران موجة التغيير الكبرى في ظل الانفتاح الذي سيكون شئنا أم لم نشأ؟ أم زاوية عمياء لم نفكر في النظر منها وإليها لأن أدمغتنا لا تتسلم إشارات رؤية جسمٍ لا تراه.. فصارت الزاوية اتساعاً فسيحاً النظر لا يحيطه. هنا، كان لابد للمجتمع الأهلي أن يكافح الجسمَ الغازي بنفسه، وكان لا بد للمناعة التلقائية (وهي المجتمع المدني بعفويته، أو غريزته إن أحببت، الاستجابية) أن تصد الجسم الغريب كآليةٍ حتمية بين الفعل ورد الفعل.

في اللقاء وضح أن جمعية ''مودة'' مشتْ شوطاً بعيداً بإنجازها، ولكنه شوطٌ بعيدٌ بقياس عملها ودائرتها ومدى امتداد مساحتها الذي تستطيع التمدّد فيه، ويبقى الشوطُ الذي سارته الجمعية مسافة قصيرة جداً لمّا يرتفع المقياسُ إلى دائرة المجتمع الكلي. لذا حار القائمون على الجمعية حيرةً علمية وقلبية معا: كيف نوقف الظاهرة؟ ما سببها في الأصل؟ كل الأسئلة المطروحة مبدئية جداً: هل تتدخل الجهات الرسمية قبل الزواج، كما اقترح الوزيرُ العثيمين؟ ومازحته قائلاً: ''هل لديك نيّة في إقصاء رومانسية الزواج؟'' على أن القضية تدور حول المحور الرئيس؛ هل الزواج قضية عاطفية بحتة؟ أم أنها يجب أن تكون قضية عقلية رسمية مُمَأسَسَة ومهيكلة؟ الحقيقة لا ندري، ما زلنا في أول التجربة. ولكنها تجربة كبرى وتحدٍّ أكبر..

هناك شيء كأنه منتشر بالهواء يفسد الزواجات، على أن هذا محض خيال، والمشكلة حقيقية، ولا بد أن نتصدّى لها كما نتصدّى لأول وأهم استراتيجياتنا، لأن النخاعَ منبعُ الحياة البيولوجية، والخلية إذا فسدتْ انتقل النخرُ للجسد، ولن نواجه العالمَ بجسد منخور. ليس الأمر مبالغاً به، كما أنه ليس مروِّعا أيضاً، ولكن نذائر التحذير تملأ الأفق.

جمعية ''مودّة'' تستحق التفافاً من كل عناصر الأمة، لأن القضية – تماما - تعني كل واحد منا بلا تفرقة أكان ثرياً أم فقيراً، وبأي مستوى بالهرم الاجتماعي.. الجسم الغازي للأجساد لا يفرق بين جسد وآخر.

وهنا أعود إلى معالي صديقي الكريم فيصل بن معمّر، لأرجوه قائلا إنه – بظني- سيفعل خيراً للأمّة لو كان موضوع ''الوقاية من الطلاق'' هو موضوع حوارٍ قادم.

وحتى تنهض الأمة لمواجهة المشكلة.. ستبقى جمعية ''مودّة''، بإذن الله، ولن تتراجع عن طريقٍ اختارته صعباً.