لمن جائزة التطوع العربي؟

سنة النشر : 07/05/2011 الصحيفة : الاقتصادية

 

الجائزةُ باسمي.. ولكن

هي جائزةٌ تقدمها "منظمة العمل التطوعي العربي"، تنخرط فيها دولُ الجامعة العربية، وتحقق تكريسا وتتويجا لمنظومة الأعمال التطوعية التي بدأت تطل كفجرٍ جديدٍ في المجتمعات العربية، فكنا نقول ولا نزال إن الأمم لا تطير، مثل الطيور، إلا بجناحين، جناحُ العمل الرسمي، وجناحُ العمل المدني.. وفي الدول المتقدمة يكون الجناحان قويان رشيقان ناميان فتقلع الأمة في أجواء الإنجاز والتطور.

الجائزة جاءت تعبيراً لقوة أداء العمل التطوعي في المملكة بالذات، ويثبت شبابُ المملكة ودول الخليج أنهم يقطعون مفازاتٍ شاسعةً في الأعمال والمشاريع التطوعية في كل الميادين، الاجتماعية والعلمية والصحية والطبية والخدمية المتفرقة، وهناك جمعيات وفرق تطوعية للفكر والفضاء والكيمياء والرياضيات والفيزياء، وفرق تعمل على اكتشاف حلولٍ لمشكلات المجتمع وتسجل تفوقا فيها مثل مشاكل البطالة والمدمنات...

ويقدم شبابُنا أعمالاً مؤطّرة بالاحتراف والإبداع والابتكار والنضج، ونوّهتْ أكثر من صحيفة عالمية وعربية بقوة التنظيم والحركة في الأعمال التطوعية الشبابية في بلادنا، واعتبرتها مناظر تدعو للإعجاب.

والجائزةُ من صنع وإعداد وتجهيز مطبخ عمل فيه الشبابُ السعودي لإعداد الطبخة الرئيسة يقودها شابٌ مبهر حقا، وغاية في البساطة والأدب الجم والتواضع هو ماجد الخميس، الذي ـــ بفضل الله تعالى ـــ ثم بفضل جهوده وفريق من الشباب معه قاموا بترشيح اسمي ضمن استفتاء على العالم العربي مع مرشحين آخرين.. ولا أظن إلا أن نفوذَ الشباب داخل المنظمة وتكاتفهم هو الذي وضع اسمي كمرشح ثم حاصل على جائزة "شخصية التطوع في العالم العربي لعام 2010م".

إذن هي جائزتهم، وهي من عملهم، وهي من جهودهم، بل هي من اختيارهم، وفي ظني أنهم لو رشحوا اسما غير اسمي لفاز أيضا.. جائزة باسمهم وفيها خانة مفتوحة ليضعوا فيها اسم من يريدون، وتفضلوا عليَّ بملء الخانة باسمي. وترى أني عالةٌ عليهم، وموضعٌ لكرمهم، وكيف أنهم يحسنون المكافأة كأفضل ما تكون المكافآت.

لما قرأ وجه شاشة قناة الإخبارية الشاب المثقف والأنيق خالد العقيلي موجزاً عن سيرة أعمالي ومنجزاتي التطوعية، أنا كنتُ أول المنبهرين، وطبعا أول الصامتين. لقد قرأ عليهم مشاريعَ جعلت عيون الحاضرين تخرج من محاجرها دهشة وإعجابا.. وأنا على أتم الاستعداد لأحلف بأن لا عمل قمت به فعلا من تلك المشاريع، إنما هي مشاريع قد أكون نوهت عنها بكلمة هنا، أو مقال هناك فقط، وإذا هي أعمال تناطح ذرى العملقة، ولم يكن سببها إلا عون الله تعالى ثم عقول وسواعد أولادنا وبناتنا المبدعة التي تملك من الطاقة أنهارا صاخبة مليئة بالشلالات المتدفقة التي تدير مولداتِ أنبل الأعمال الإنسانية.. المشاريع التطوعية.

في الثلاثينيات من القرن العشرين كان الغبارُ والرصاص والدم هو المشهدُ السائد في شمال برشلونة الإسبانية، وكان متطوع أمريكي ومن أبرز كتاب عصره يحارب إلى جانب الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية، وهو أديب أمريكا الأشهر "إرنست همنجواي".. وكان يراقب، وقد أصيب برصاصةٍ في ساقه جعلته يعرج بقية عمره، ثلة من المتطوعين والمتطوعات الذين يضمدون الجرحى وينقلونهم لمعسكرات العلاج، فكتب لصديقه "عازار وايزمن: "لقد عرفت أن هناك سكان السماء من الملائكة والأرواح الطاهرة، وسكان الأرض منا نحن البشر، وسكانا بين السماء والأرض، وهم المتطوعون والمتطوعات". وذكرتُ للمجتمعين أن للتطوع معنى كافيا في رأيي يتوشح به المتطوع، وهو أن المتطوع يقدم عملا من أجل الناس، لخدمة الناس، وبلا مقابل مادي، ثم يجد في آخر اليوم أن أكثر من أفاد.. نفسَه!

كان الأستاذ يوسف الكاظم الأمين العالم لمنظمة التطوع العربي رجلا نبيلا مع أصدقائي وأخي جمال ومعي، وقد كسبت أشياء أكبر من الجائزة، كشخص مثل الكاظم تآلفنا معا بسرعة ودارت بيننا أحاديث فردية نخطط فيها لنهضة العمل التطوعي ابتداء من الخليج وامتدادا للعالم العربي، وكسبته صديقا من أعز الأصدقاء.. وتعرفت أيضا على صديق مصري استثنائي ذائع الصيت فلا نسير إلا ويعترضنا جمهورٌ للتصوير معه ويعتبر أيضا من رموز العمل التطوعي العربي وجمعيته استفاد منها أكثر من خمسة ملايين شخص، وهو وجه تلفزيوني ومفكر إسلامي معروف وهو المفكر علاء بسيوني، ودار حديث شخصي طويل معه حول فلسفة الفكر، وحول المشهد الإسلامي في مصر، وحول الروح التطوعية البازغة الآن في شباب العالم العربي، ويشرح بإسهاب العلماء، ويطفئ العينَ بخجل.. العلماءِ أيضا. وكُنّا، جمال أخي وأنا، قد تقدمنا له بدعوة ليكون ضيفا على منتدانا "أمطار" وقبل شاكرا، وأعتقد أنه سيضيف بُعدا فكريا وعمليا عميقا في مجاله لنا.

وكنت، بعد حفل الجائزة، أسير ليلاَ بمحاذاة الساحل بشرم الشيخ، وكان الجو آسرا، والمويجاتُ في هذا العناق الأبدي مع رمال الساحل، والنجوم يثقب ضياؤها قماشَ السماءِ الحالك.. وتأملت بأنك حين تتسلم جائزةً أكبر من حقك بكثير، فإن من وعدك بمضاعفة العمل والثواب هو من منحك إياها، فسبحان من لا حدودَ لكرمِه.