نعم .. السَّنَةُ الجديدةُ بلا لون!

سنة النشر : 02/01/2010 الصحيفة : الاقتصادية

 

.. السنةُ التي مضت كانت سنة صعبة لأمتنا، فقد عانينا وذقنا المرَارَ، وتقلبنا من ألم أكبر عنصرين تخافهما أي أمّةٍ: الكارثة، والحروب. وقد حضر العنصران غير مرحّبٍ بهما معا، فصبغا السنة الماضية بشبح سيطارد مستقبلَ هذه الأمّة وشعبَها إلى زمن بعيد.

على أن هذا رغم فظاعة عواقبه موقفٌ زمني، تقاطعٌ تاريخي، مشهدٌ جديد على ركام قريب.. أعطانا الفرصة الصاخبة لتستيقظ حوّاسٌ على مشاهد ركام الآلام والخسارة والروع. علمنا الواقعُ بقبضته الثقيلة الصاعقة أن نتنبه من الآن لما سَدَرْنا به في السنة الماضية والسنوات التي قبل، من عدم مبالاةٍ، من اعتقاد البعض أن الأرضَ تدور بمحورها حولهم، وأنها تكفل لهم الحماية مهما عملوا، وتعطيهم الكنوزَ حتى ولو لم يعملوا..

جاء الوقتُ ليتنبه هذا الشعبُ إلى أنه مؤهلٌ فوق العادة، شعبٌ قادرٌ وذكيٌ، ولكنه شعبٌ تعوّد الصمتَ، وتعود إطلاق التباريحَ والشكوى في خفاء، لا يطلقها صريحةً صادقةً شجاعةً أمام كل مواطنيه، وينقلها لمسؤوليه، فمن حقـِّهِ أن ينقل لهم الرأيَ، ومن حقـِّهِ عليهم أن يصغوا للرأي.

هناك خللُ ما، وهذا الخللُ كبيرٌ بحجم سعةِ البلاد المترامية، خللٌ مشاركتنا جميعا بمثلث الرعب: الفسادُ، الإهمالُ.. والصمتُ إزاءه.

هاهيَ سنةٌ جديدة، موقفٌ زمني، تقاطعٌ تأريخي، ربما الدرسُ الأخير، الإيقاظ الذي إن لم نصحُ على رنينه فقد لا نصحو مطلقا.. فما حصَلَ يمزّق عروقَ الجبال، ويهز كهوفَ البحار، فما بالك بآذان الإنسان، وعقله، وقلبه، وضميره؟

الآن علينا أن نجمع شعاعَ أنفُسِنا، وأن نحزم جهودِنا، وأن نقف ثابتين على أرضٍ صلبةٍ، ونبدأ أولا بإزالة الركام الذي تجمعت مآسيه في السنة الماضية، لنضع الخطة الواقعية واللازمة التطبيق حتى لا يحدُثُ ما حدث.. كي لا تتكرر العواقبُ وإن تكررت الأحداثُ بقوة فوق طاقتنا، بأن نستعد، بأن نخلص النوايا لهذا البلد، بأن نطلق عقولَ شبابنا وسواعدهم لأنهم هم الذين أثبتوا الحضورَ الأكبر عندما حصل الأفولُ الأكبر.

كانت بناتُ هذا البلد وأبناؤه في كل المدن وليس في مدينة جدة بحالها، أو بما حول منطقة جيزان بمفردها، خلايا عمل لم أر شخصيا مثلها في بلادنا منذ وعيت الحياةَ في بلادي، لم تبقَ مدينة، ولا ضاحية صغيرة في هذا البلاد إلا وتشكلت فيها مجموعاتٌ من شباب الإسنادِ والعون، وشهدتُ بأم عيني 200 شاحنة تنطلق محمَّلة إلى جدة من مجموعة واحدةٍ من الدمام في المنطقة الشرقية.. ورأيت 100 عامل وعاملة في مدينة من مدن الشمال، ورأيت أكبر تنظيم إنترنتي توزعت فيه الخطط وتنظيم الأعمال والاتصال والتنسيق والإدارة اللوجستية.. ولعلي أقدم اعتذاري للسنة الماضية، فقد كان مشهدُ هؤلاء العاملات والعاملين تطوعا صرفا، ومحبة خالصة، وهِمَما لا تُبارى.. كالجواهر البرّاقة وسط سُخام الرّكام، كالخطوطِ الفضيةِ الأولى لفجر السنةِ الجديدة النابع من ليل السنة التي انسحبت لأرشيف الزمن.

جاء الوقتُ أن نضع الخطط الاستباقية للفساد الإهمال، وهي القوانين الواضحة والرادعة، قبل وليس بعد أن يكون الخراب قد حصل. نرحبُ بالمساءلاتِ الجارية، ولكن هل ستعيد الأموات؟ ولكن على المجرمين ألا يفلتوا بما غنموا من دم الناس. وسنكون آمنين في المستقبل متى وُضِعَتْ قوانينُ مسبقة، فلا يتحقق الفسادُ، وبالتالي لا تعقد مساءلات الفساد.

نتفاءلُ بالعام الجديد، لأن تباشير اليقظة رأيناها في بدء البزوغ.. ونعلم أن السنة الجديدة لا لون لها، ككل سنةٍ قادمة، فنحن نعطيها لونَها بأعمالِنا