الأميرة سارة: أميرة الإنسانية

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 

.. هي الأميرة سارة بنت مساعد بن عبد العزيز آل سعود، أميرة الإنسانية التي عنونا بها المقال. ولكن لحظة..

لمْ أسمِّها أنا أميرة الإنسانية، ولا فضلَ لي في ذلك.. إنه اسمٌ أطلقته عليها، بعفوِ الخاطر، وإيحاءِ اللحظة.. من لمست هذه الصفة لمس الحقيقة، وعرفتها بتقرير الواقع، وشعرت بها وهي تمتد إليها لترفعها من مغرزة رمال السقوط والحاجة والإهمال والضياع وقلة الحيلة.. فإذا الشمسُ تشرق من جديد، وإذا الزهورُ تعلن أوراقها في أول فجرٍ تعانقه، وإذا هي لأول مرة تشعر أن الطيورَ تغني على الأفنان.. كلامٌ شاعري أيضا لم أقله، ولكن قالته من شعرت بأن النورَ يدخل أغور الكهوف، الكهوفُ التي قالت إنها كانت تظن أنه لن يستدل إليها أحد.. ولكن يد أميرة الإنسانية فعلت.. وما زالت.

ولكن ما القصة بالضبط؟

صحيح، ما القصة؟ إنها قصةُ الخيرِ لما يكونُ فيضاً، قصةُ المحبةِ الإنسانيةِ والأخويةِ لمّا تصيرُ إيمانا، قصةُ الدفاعِ عن الكرامةِ الفرديةِ لمواطنِك وأختِك وأخيك في أي ظرفٍ بأي مكان.. وإحساسٌ غامرٌ بالمسؤولية، مسؤولية القادرِ تجاه المسلوب من القدرة.. مسؤوليةٌ أمامَ الله، ثم مسؤولية أمام ضميرٍ لا ينام وهناك عين تعرفها، أو صلت إليها معاناتها، لا تنام!

لقد عرفت الأمة الفتاة "سلمى" لما حكـَيْتُ قصتـَها، وتجاوب اسمُها في جهاتِ البلاد، وخارج البلاد، بفضل الخيِّرين الذين تناولوها وتناقلوها في الصحفِ والمنتديات والصوالين والجمعياتِ وأدوات الإعلام.. البنتُ السعودية التي هجرها والدُها في بلد من بلدان الشرق القصي، وتركها تحت رحمةِ الظروف.. والحقيقة أن عبارة " رحمة الظروف " ليست دقيقةً ولا تعبر عن واقع الحال، فلقد تسلل عنها أبوها وهي في مجتمع كالغابةِ الغريبةِ وتركها "لقسوةِ الظروف"، وكانت الظروفُ عند الظنِّ بها فنكـّلتْ بها وبأمِّها حتى عملت في أكثر المهن ضِعـَة.. ولن أعيد مشاهدَ رأيتها، يكفي ما حكيتُ سابقا، وما نـُقل مرارا، والقصة كاملة موجودة لمن يريد أن يبحث..

ونحمد الله أن قضية سلمى ومن هم مثلها من أولادنا وبناتنا في ذلك البلد في طريقها للحل والتصحيح، وبفضل أميرة الإنسانية التي فتحت البابَ واسعاً لها ولأهل الخير معها وبعدها.. وهي تضرب المثالَ الإنسانيَ الرفيعَ على عمل الخيرِ المنقطع، وتضع الدرسَ واقعياً بالعمل المُثبت في خوفِ الأختِ على أختها، والمواطنة على مواطنتها..

لقد هاتفتني الأميرةُ سارة بحماسةٍ لحظة خرجت أول مقالةٍ عن سارة، وكانت مصممة ومتحمسة بأن تـُنهي معاناتها للنهاية، ولم تتراجع هذه الحماسة أنملة واحدة يوما، لأننا واجهنا صعابا متوقعة، وأخرى غير متوقعة، وتعلمتُ درسا بالمعايشة الواقعية كيف أن من يريد شيئا ويصمم على الوصول إليه فإنه سيصل، أو سيخترع طرقَ الوصول.

ومع همّةِ الأميرة سارة وأريحيتها وقلبها النابض خيرا وشفقة ومسؤولية تجاه مواطنة تبعد عنها آلاف الأميال، وبغلطةٍ لا علاقة لها بها، ولا لأي جهة رسمية في البلاد علاقة بحدوثها، حين تخلى عنها من هو أول المسؤولين عنها، وسيُسأل عنها في يوم الدينونة على الصراط.. فتتقدّم هي بحماسةٍ وثبات، وتدفع الأمورَ دفعا بتيارٍ من القلق على البنت، وكما قالت: " خوفاً من أن تضيعَ من أيدينا إلى الأبد.." تضيعُ من أيدينا؟ يا للإحساس المتسامي.. تضيعُ من أيدينا، وكأننا، أو وكأنها هي المسؤولة عنها، لا، وتراها كنزا ثمينا ولا تريده أن يضيع ويتسرب في التيْه.. وفعلا تلاحقت الأميرةُ كنزَها، وأنقذته وحافظت عليه، وبقي على سلمى أن تحاول هي أن تحافظ على نفسِها.. وأظنها ستفعل.

فقد أنقذت الأميرةُ سلمى - كما قالت سلمى- من حياةٍ إلى حياةٍ، وتصف وكأنها انتقلت إلى أفقٍ مفتوحٍ به الشمس والهواء النقي، بعد أن كانت في السردابِ الرطبِ المظلم، وكانت تعتقد أنه قدرها ومصيرها النهائيَان.. ولكن رحمةُ اللهِ تدور في الكون كما هي من الأزل للأبد، ونزلت الرحمة لسلمى عن طريق أميرة الرحمة سارة بنت مساعد.. فدخلت سلمى دراسة تأهيلية للدين، وعن وطنها وأهلها، وشجَّع هذا بقيةً من أولادِنا وبناتِنا هناك، وستدخل الجامعة، وهي تقول إنها تضع الحجابَ، وشعارَ وطنها مذهبا على الزي المدرسي.. وطنها السعودي. شعرت سلمى أنها لأول مرةٍ تنتمي، وأن من تنتمي إليهم يحبونها، وتقول: "إنه شعورٌ لم أذق مثل حلاوته وطلاوته أبدا من قبل..".

إننا في سبيل برنامجٍ كاملٍ من أجلِ أولادِنا وبناتِنا في الخارج.. وسيعرف العالمُ إن كان شواذٌ منا تخلوا عن فلذاتهم، فهذا لا يمثلنا، لأننا أثبتنا العكس..

وأثبتت الأميرة سارة شيئا آخرَ عظيم الأهمية، أن الأسرة المالكة تهتم بهموم الناس مهما قريب أو نأت فتثبت الأميرة سارة بلا كلمة واحدة ولكن بفعلٍ يهزّ عرشَ الإقناع أن الاهتمامَ موجودٌ بأسمقِ معانيه، وأنه يطيرُ آلافَ الأميال بذات الزخم وبذات الحرارة.. وبذاتِ السموق.

وبما أن الأميرة سارة لا تريد الشكرَ فلن نفعل.. ولأنها تحتاجُ الدعاءَ.. فسنفعل ونزيد!