سنة النشر : 06/12/2008 الصحيفة : الاقتصادية
.. الدكتور محمد عبد العزيز الأنصاري، يشغلُ وظيفةً – برأيي - أنها استراتيجية ومهمة في شركة أرامكو، ذات التجارب الجيدة والناجحة في الموردِ البشري، ووظيفةُ الدكتور الأنصاري هي: مدير برامج إدارة التقنية، ومركز الأبحاث والتطوير- طبعا، في واحدة من عمالقة شركات النفط بالدنيا.
وكان قد جرى بيني وبينه حديثٌ عن أهمية السلامة لمجتمعنا، ولأمر عام، ولأمر شخصي عميق، يرى الأنصاري أن السلامة والتوعية بها في المجتمع الكبير ليست مجرد مهمة، بل واجب عملي من واجبات حياتِه داخل "أرامكو" وخارجها. والدكتور بحصافةٍ اختار "أولاد الدمام"، وهم من تكلمنا عنهم مسبقا هنا مع أولاد الخبر وبناته، من الشباب المتطوعين لخدمة مدنهم امتدادا لأي مرفق خدمي أو تثقيفي أو عملي، ولقد نموا، وكبروا وتنظموا، وتعاملـََتْ معهم الجهاتُ الرسمية والخاصة، مشكورة، بما نعهده عن التكاتف الاجتماعي ضمن النظرية التي نؤمن بها: "نظرية السلسلة التواصلية المجتمعية لإنجاز" (وتحدثتُ عنها بتركيزٍ أكثر في "مقتطفات الجمعة" الماضية)..
والدكتورُ الأنصاري، بحكم تجربته الغنية، ونظرته العارفة، وقع في ضميره أن هؤلاء الأولادَ هم من سيساعده لتحقيق خطته الحلم نحو السلامة الجماعية لتنتشر على أرض الواقع..
فكتب لي يقول: (مترجما النصَّ من الإنجليزية الراقية التي كاتبني بها):
"أشكرك على ما تساهم به في تشجيع حركة الشباب التطوعية ومؤازرتهم، ووضع هذه المسئولية الكبيرة على أكتافِ هذا الفريق الرائع، أولاد الدمام. وأؤكد لك يا صديقي أن هذه المسئولية الكبيرة لن تثقل كواهلـَهم، ولكنها ستجري في تيار الإنجاز المعتاد، لما لمسته أنا وخبرته من واقع مقابلتي معهم أكثر من مرة، وهذا ليس فقط من ثقتي الكاملة بقدراتهم، ولكن أيضا أعوّلها على تلك الروح التي رأيناها فيهم لتحقيق أحلامهم. بعد اجتماعي بهم مرتين، خرجت بقناعة شخصية بأننا، كمجتمع، نملك الأصلَ البشري المطلوب ليأخذنا إلى آفاق المستقبل. إن التعاملَ مع محمد، وعلي، وجمال (من أولاد الدمام) أكـَّد أنه من خلال عوامل: الثقة، والتغذية، والشفافية (TNT)، نستطيع أن نجترحَ المستحيل. يستطيع الآباءُ في هذه المسألة بالذات عن طريق العناصر الثلاثة بناء شخصيات أبنائهم على التضافر والإنجاز، ونجاح الأسر في ذلك مسجل وكبير، ولكنه لا يتعدى عادة الأبناءَ خارج نطاق حدود أسَرهم.. ويبدو أن الأُسَر التي ربّت وأنشأت كلا من محمد وعلي وجمال قد توصلت إلى ذلك بشكل يدعو للإعجاب لتمدد آثار هذه التربية المنتجة الراقية إلى خارج النطاق الأسري، فتؤثر في الأبناء في المجتمع المفتوح، إنه نوع من قوة ترابط النسيج الأسري ليكوّن قماشاً متينا فقد كان أولئك الشبابُ متحمسين لأداء العمل التطوعي، وقمت أنت بدورك بإعطاء العناصر الثلاثة لهم بثقة، وإيمان بهم مع تعامل مباشر وصريح في معنى المشاركة والمساهمة في الأعمال الاجتماعية التطوعية.. أليس ذلك من الممكن وبسهولة استيعابه من قبل البقية؟.. إنني يا صديقي أتساءل..
أما فيما سيأتي من الأيام القادمة فنحن (يقصد الدكتور نفسَه وربما مساهمات من شركته الكبرى)، عازمون على إعطائِهم الوقتَ والالتزامَ كي يتسنى لهم قيادتنا عبر ما سيأتي. صديقي نجيب: أولاد اليوم سيكونون هم الجيلُ الذي سيحدّد مستقبلَ أولادِنا وأحفادنا، وأولادُ الدمام والخبر وكل من سيقوم على شاكلتِهم - إن شاء الله - ستصلهم رسائلٌ من أجيال المستقبل عن كم هو جميلٌ أو سيئ ما فعلوا، أو لم يفعلوا. فإما أن يشكروهم، وإما سيلومونهم لما سيجري في حاضرهم عندئذٍ، الذي هو المستقبل بالنسبة لنا الآن.
من الشخص الذي يرى النور في آخر النفق؟:
محمد الأنصاري."
أتوافقون أن الرسالة رائعة، عن عملٍ رائع، من شخصٍ رائع، عن عاملين رائعين؟ لم أجد أوضح دليلا، ولا أقوى برهانا، عن جدوى نظرية سلسلة التواصل الاجتماعي للإنجاز مثل هذه الرسالة المعبرة من عقليةٍ مختصّةٍ ومحترفةٍ مهمتها قيادة الأجيال. ونظريته الثاقبة بأن الإنجازَ تربيةٌ تبدأ من استلهاماتِ الأسرةِ لأبنائِها.
محمد الأنصاري ليس موظفاً كبيراً فقط، وليس شخصا يؤرقه العملَ التطوعي، ولم يتعامل معه أولادُ الدمام بمنصبه.. ولكن بشخصه العفوي، لكونه فردا في مجتمع يحبه، وبرغبته في الإنجاز الذي هو رغبتهم كلهم، وهذا ما جعلهم يرونه مثالاً يُحتـَذى.. ومعلما صديقا يحبون أن يحبوه.
قد يكون الأنصاري منتظرا إنجازاً في المستقبل، وسيراه، فهذا ما وعدنا الله به حين نعمل. أما بالنسبة لي.. فكل ما حصل كان إنجازا!