معمار الإيمان

سنة النشر : 03/02/2009 الصحيفة : اليوم

 

.. معمارُ الإيمان(Architecture of Faith) سيُقيَّض له أن يكون واحداً من أجمل وأبهى وأكبر مركز إسلامي، إن لم يكن الأكبر، يبزغ الآن على سواحل المدينة الإستوائية الكثيفة الخضرة، الكوراليةِ البحر، العميقة الارتباط بالشأن والثقافة الإسلاميَتيْن، مدينة «كاتباتو» في مقاطعةِ «المانديناو» الجنوبية الفلبينية.. وستطل على البحر عاكسة في الأصائل وأوقاتِ الغسَق بريقاً أرجوانيا خلاباً يتداخل في مياه البحر الذي تلثم مويجاتـُهُ تراقصَ سعف نخيل جوز الهند على الشواطيء البيضاء..

وعندما ينتهي سيكون مبنى محاطاً بالجلال والروعةِ الفنيةِ والشموخ المهيب، ومآذنه الأربع المضيئة تتطاول أطرافَ السماء، وقبتُه المغطاة بقشرةِ الذهبِ ذي الثمانية عشر قيراطاً تلمعُ كشمسٍ تبرقُ من أميالٍ بوهج النور البنائي الإسلامي لتضفي روحاً تحوم على كل المشهد.. أعتقد أن من يراه وهو قادم من البحر خصوصا، سيقف ويتأمل ويسجد خشوعاًً بالفطرةِ والانجذاب للملكوت، وقوة تأثير معمار الإيمان.. فياللمهندسين الذين نجحوا في جعلِه يحمل إشعاعَه الروحي وهو بناءٌ من موادِّ الجماد..

سيكون المسجدُ مركزا ثقافيا، ورياضياً وإعلاميا، وحصنا على ضفاف الهادي في السواحل الغربية الفلبينية المطلة على الأرخبيل الأندونبيسي، وتوابع الجزر الماليزية، وليس بعيدا عن إمارة الإسلام والرفاه «بروناي».. وهنا نقف لبروناي!

هذه الإمارة التي ننساها، وربما لا يعرفها، أو يعرف عنها الكثيرون منا، تقف صامدةً لمواجهة كل الموجات التنصيرية في الأرخبيل الفبيني، والذي تسلل بقوةٍ لأندونيسيا أكبر دولة إسلاميةٍ على الأرض، وماليزيا، والسلطانُ «حسن بلقيه» لا نعرف عنه، إن عرفنا عنه، إلا ما ينشره الإعلامُ عن البذخ، ويتراسله الناسُ عبر الانترتنت من صورٍ لقصره المنيف الشاهق البذخ.

حسنٌ هذا اصحيح.. ولكن هناك صورةٌ أجمل وأسمى لدور هذا السلطان، لا يظهر، غارقٌ بظلٍّ كثيف، ربما هو يريد ذلك، ربما الإعلامُ الموجَّه يريد ذلك.. على أن الرجلَ يعمل، يكاد وحيداً، لصدّ هذه الموجات، وكأنه عملاق البحار الأسطوري الذي يحمي السفين والناسَ على الجزر حسب الأسطورة التي يتناقلها المحليون في تلك الأصقاع من المحيط الهادي..

عندما يأتي أكتوبر القادم سيكون معمارُ الإيمان انتهي، وسيشرقُ معمارٌ إسلاميٌ يدل على فعائل هذا الرجل وإمارته في سبيل الإسلام والمسلمين في تلك الجزرِ القصية، والتي التهينا عنها بشئوننا، فقيض اللهُ حارساً لدينِه في الركن الهادي البعيد.

يوم أنشأنا «رابطة العودة للجذور» لأبنائنا وبناتنا المتروكين في الفلبين، جاءتنا امرأةٌ صارمةُ الحجابِ، بملابس محتشمةٍ واسعة، وقدمت نفسَها أنها من مركزٍ في بروناي خيري، وتبدي سعادتها في أن تقدم خدماتها، وأكدّتْ:» أول ما نتعلمه في بروناي من السلطان بلفقيه: أن نحمي الإسلامَ في محيطنا.» .. وأنا أشهدُ أنه يفعل! وهي دعوةٌ لأساتذة وطلاب العمارة عندنا لزيارة الصرحَ الإيماني، كمفهومٍ كبير وفاتح لهندسة ومهام المساجد الكبرى، وإن أرادوا رتبنا لذلك.