سنة النشر : 18/08/2016 الصحيفة : الاقتصادية
فتش في خزانتك القديمة
أفتش في دولاب كتب قديم، ووجدت أن أحد أساتذتي وهو جزائري أهداني مجموعة كتب، يبدو أني حفظتها في هذا الدولاب الذي ترك في مخزن وكدت أنساه، وكانت فرحتي به لا توصف فقد كانت مجموعة الكاتب والفيلسوف والمفكر الوجودي الجزائري ـــ الفرنسي، صاحب الروايات الشهيرة التي بعضها يدور في قسنطينة في الجزائر حيث ولد معبرا بصورة شاهقة عن آلام البشر، وهو "البير كامو"، وقضيت أسبوعا وأكثر ألتهم كتابا وراء الآخر. ولأن "كامو" من حكماء العالم الذين لم يطر صيتهم كما ينبغي أنقل لكم بعض عناوين آرائه الإنسانية، ثم أعلق على كل قول.
المعركة الوحيدة التي يجب أن ينتصر فيها الإنسان في هذه الحياة هي معركة السلام
يثبت في تاريخ أنثروبولوجيا الحرب والسلام أن إعلان حرب أسهل كثيرا على بعض قادة الأمم من الحفاظ على السلام، أما لأن حفظ السلام وصيانته يتطلب حكمة وحنكة لا يملكونهما، أو ببساطة لأنهم يعشقون الحروب والدمار، والكسب ولو قضوا على الناس أجمعين. لذا نجد في سجلات المسار الإنساني التاريخي أن القادة أكثرهم من يعلن الحروب، بينما من يقف ضد الحرب هم المعارضون المدنيون. هناك حروب اعتداء هي جريمة صرفة، وهناك حروب دفاع عن الشرف والتراب من العيب ألا تُخاض. إن الناس الذين يبذلون من أجل السلام هم من يقدمون تضحية كبرى ربما حتى الموت من أجل الانتصار في معركة السلام، بينما يبقى الذين أعلنوا الحروب لأن الجنود والناس المدنيين هم الذين يموتون ويبقى جنرالات الحروب ولوردات المنتفعين بتجارة الموت أحياء مرفهين من أجل.. إعلان حرب أخرى!
تنازل بشر رائعون عن كل مظاهر الجمال الإنساني من أجل الإحسان
وأرجو أن تعرفوا مرة أخرى أن هذا "البير كامو" كان مفكرا وجوديا، كما أرجو أن تعرفوا أن مدرسته الوجودية الإنسانية تختلف عن وجودية "سارتر" العبثية. وهو ليس رجلا متدينا على أية حال، لكنه فُتن بأخلاقيات الإسلام لما كان في الجزائر، وطمست هذه الحقيقة الصارخة بكتاباته التي هي نحت للمفهوم الإسلامي، لأمر معروف فحينها كانت الجزائر تعتبر مقاطعة فرنسية تكب عليها خيرات كروم الشمال. ومن أكبر دلائل إعجاب هذا المفكر الإنساني بالإسلام تعلقه بمبدأ الإحسان الإسلامي، وقدمه على كل الصفات الإنسانية المثلى مثل الكرم والشهامة، واعتبر الإحسان هو ضمير الكون. وفي رائعته "الغريب" تجد هذه الروح التي فيها أن التطوع بلا غرض إلا خدمة الإنسان ورفعه من بؤسه هو أعلى قيمة إنسانية ووصفه بالإحسان.
هناك أشخاص يجب ألا نكرمهم بأكبر من حجمهم الحقيقي، لأننا سنبخس من قيمة أنفسنا
وفي الأمس كتبت مقالا عن مجلس الشورى، وكيف أننا نأخذ قولا من إنسان قد يكون مزعجا، ولكن لا قيمة له من حيث السلطة والتنفيذ والتأثير، فنبذل كل مجالسنا ومواقعنا وإعلامنا تحدثا عنه فيصبح في لحظة بحجم كل البلاد، بينما لم يكن يتعدى حجم الكرسي الذي يجلس عليه، بسببنا. بسبب ولعنا بتحجيم من لا حجم له، فينال شهرة عريضة لنفسه وأجندته قد يبذل الملايين في الإعلانات ولا يحصل عليها.. ونلتهي عن أهم مواضيع بلادنا وناسنا وشبابنا. ونجد في النهاية أننا قللنا من قيمة عقولنا التي كان يجب أن تنشغل بأمور أعظم.. لا بأمور قل.. أقل جدا.