هكذا علمتني الأيام (11)

سنة النشر : 11/08/2016 الصحيفة : الاقتصادية

 

لا تتملق

أنا هنا لا أعظ ولا أصرف النصائح، إنما أعطي صورة للوقائع زائدا المنطق الطبيعي لمجريات الأمور. إن المتملق يبذل من نفسه، ويريق ماء وجهه من أجل التقرب لمن له عنده مصلحة، أو مسؤول يترجى منه ترقية في السلم الوظيفي. البعض المعصوب العقل يظن أن التملق هو أقصر الطرق لنيل المآرب، وأنا أقول إنه الطريق المسدود نحو الوصول لأي شيء على الإطلاق. دعوني أروي لكم قصة صديقي واسمه دهان، والقصة حقيقية، والاسم مستعار من مصطلحنا العربي العصري في دهن السير. المهم أن هذا كان صديقنا لفترات. في الثانوية كان يتركنا ويذهب لمن يظن أن عندهم جاها أو الأولاد الذين يملكون سيارات فارهة، فيتركنا أشهرا، ونعرف أن الحال يصل به لتنظيف سياراتهم، وتركيب رأس الشيشة لكل واحد منهم في الاستراحة، وما شاء الله كان أولئك الأولاد من جيلنا هم رواد الاستراحات، حيث لم يكن يسمع بها إلا نادرا. كان دهان حرفيا يلعق أياديهم تزلفا، ثم يمر علينا بخيلاء، ويروي لنا مغامراته مع أصدقائه ويتباهى بمزارعهم وشاليهاتهم وكأنها ملك أهله، ويمضي يحكي باستعلاء عن أمور لا نعرفها وربما لن نعرفها. وما هي إلا شهور ويعود كالجرو الذي يضع ذيله بين رجليه إلينا لأن صحبه الفارهين ملوا منه ورموه لآخر أكثر ربما تملقا.

إذن لم يصل دهان إلا إلى مزيد من الذل والفشل والخيبة. كبرنا، ودخل دهان موظفا بشركة كبرى، وصار يقدم لرئيسه خدمات لا تعقل من رجل مثله، لدرجة إحضار أولاده من المدرسة، والاهتمام بما يحتاج إليه بيت الرئيس. وكان هذا الرئيس يترقى ويصر أن يأخذ دهانا معه معاونا خاصا فلا تنفعه ترقية الرئيس ويبقى كما هو، ولما وصل الرئيس لسدة رئاسة شركة متفرعة من الشركة، الأمر كان قد مضى على دهان 20 عاما مع رئيسه لم يتقدم درجة، لأن الرئيس كان يعلم أن أي ترقية قد تبعد دهان عنه، 20 عاما ترقى زملاؤه وصاروا بمناصب كمنصب رئيسه أو أعلى وهو يجري على سير متحرك على أرض ثابتة. صحا دهان لما تركه رئيسه لأنه لم يستطع أن ينقله معه للشركة الأخرى، فاق على درجته الصغيرة وراتبه الضئيل، وأنه لم يتزوج بينما أبناء زملائه في الجامعات.. الذي صار مع الأسف أن دهان ترك الشركة وانعزل في بيته وحاولنا جهدنا إخراجه من كآبته، وباءت محاولاتنا بالفشل. ثم غاب في عالم مرضي من الكآبة والوساوس.

كما قلت لكم التملق لا يقود لشيء.. أو أنه يقود لأسوأ شيء.

الرياضة

كما يقول برتراند رسل فيلسوف الرياضيات البريطاني: الشعر أفضل من السياسة. فهنا أستعير جملته وأحورها وأقول: "الرياضة أفضل من السياسة". علمتني الدورات الأولمبية أنها أجمل لقاءات على الإطلاق بين سكان الأرض، فترى التحاب، والتنافس الجميل، والإنسانية الفرحة، والصحة الوافرة، والضحكة القلبية، والدمعة الصادقة، وترى هذا الجسد البشري كيف تتمدد عضلاته، وتتمحور مفاصله، وتدور الدماء برئته، وكيف تصارع العضلة المستحيل لتبث طاقة في كل خلية بجسد اللاعب، وأبعد ما يقلقهم الخلافات السياسية.

أنادي مجلس التعاون تنشيط دورات كل أربع سنوات في الألعاب الفردية، وألعاب القوى والسباق المختلفة، ولا أقول أوقفوا كرة القدم التي تبلغ بها الحماسة لعكس ما تريده الرياضة.

عدم قيام دول مجلس التعاون الخليجي بتنظيم دورات أولمبية دورية سيحسب عليها خطأ كبيرا من حيث إنه مورد إصلاح، ولم تهتم بصرفه.