هكذا علمتني الأيام (6)

سنة النشر : 19/05/2016 الصحيفة : الاقتصادية

 

«صحة كيانك هي من القوة النابعة داخلك»

لطالما شبهتُ التفكير وأداته العقل بالعضلات الذهنية، وهذه العضلات تحتاج إلى تقوية، ومتى قوي تفكيرك من خلال جهاز ذهني قوي تحسن أداء بقية أعضاء جسدك، وارتفعت قيمة وجودك، وتفعلت مساهمتك في العمل من أجل ناسك ومجتمعك ووطنك، والعالم. كيف يمكن أن نمرن ونقوي هذا العضلات الذهنية؟ سؤال وجيه جدا. كما يرفع رياضي الأثقال الأوزان، فكلما زاد الوزن قويت عضلات ذراعيه، وكلما جرى لاعب الكرة أكثر قويت عضلات ساقيه وفخذيه، والسباح كلما قطع مجرى أطول اتسعت رئتاه وقويت عضلات كتفيه وساعديه. إذن كلما مرنت قدراتك الذهنية في الإكثار من القراءة المطلعة المعلوماتية المفيدة، وكلما لعبت الألعاب الذهنية المباشرة كالشطرنج والكلمات المتقاطعة، وكلما حضرت برامج وورش عمل، وحرصت على التأمل العميق بين فترة وأخرى، تشتد وتقوى عضلاتك الذهنية، ويتسع إدراكك للحياة وأهميتها، وعرفت مغزى التعامل الإنساني واحترام قيم الإنسانية بأشكالها، وصرت أقرب لمفاتيح النجاح. ويكلل كل ذلك بتقوية المناعة الجسدية فتكون أكثر صحة وحضورا ووعيا من غيرك.

«علاقة الجسد والعقل»

إني من المؤمنين، ويمكنني الادعاء أني من المجربين، لهذه العلاقة التي لا تنفصم حلقاتها إلا وتسبب عللا في الجسم، وإرباكا في التفكير، وتخوفا من ظروف الحياة حتى تلك التي لم تحصل. أؤمن ــ ولست الوحيد في ذلك بل علماء وأطباء إكلينيكيين، في جامعات ومعاهد محترمة في العالم يؤمنون ــ بأن للعقل قوة شافية، وهذه القوة الشافية لا يمكن التقليل منها، وهي في أحيان تتولى ــ بأمر الله تعالى ــ الشفاء الكامل. ويوجد الآن في فروع علوم الطب تخصص مثير حقا في هذا الحقل. يتخصص هذا العلم الطبي في معرفة أسرار هذه العلاقة الفيزيائية والفسيولوجية بين العقل والجسد وآلية عملها. وتم تأكيد اكتشاف علاقة متواترة ومتبادلة بين الجهاز المناعي في أجسادنا وبين عقولنا. فكما يبدو أن العقل له سلطة بقدرة لغوية وتشفيرات كيماوية وعصبية على الجهاز المناعي، من خلال القدرة على التفكير وتخزين المعلومات والمشاعر، والاقتناع الإيماني. لذا العناية بالقدرة الذهنية كما أسلفت مهمة جدا في تحقيق توازننا البيولوجي. وبالتراد الجهاز المناعي يخاطب الدماغ من خلال هرمونات تفرزها الغدد، التي بدورها تؤثر مباشرة في حالتنا العاطفية والعقلية. هذه المخاطبات الدائرة بين العقل والجسد تقلل فرص الأمراض، وتعزز انتعاشنا الحياتي الصحي.

«علاقة الجسد والروح»

صحيح أن هذه العلاقة أهملها الطب البيولوجي ردحا من العقود، إلا أنه التف منعطفا بحدة نحو الاهتمام بهذه العلاقة الغامضة والواضحة معا. وعندما نتكلم عن الروح فإنما نتكلم عن الإيمان، وعندما نتكلم عن الإيمان فإنما نعني الإيمان بالله. المؤمنون بملاحظات متتابعة هم الأكثر صحة، وقد لاحظ الطب الفيزيائي القدرة الروحية والإيمانية في شفاء علل قوية عند نساك التبت لقوة إيمانهم بتعاليم بوذا وقوى الكون العادلة. فإذا كان هذا يحدث عند من عقيدتهم لا تصل إلى حد الديانة لكونها من شخص أرضي هو بوذا، فكيف حال المؤمن المسلم بالله تعالى! هنا لا أقف واعظا فلا أملك هذا الدور، ولكن أشير من ناحية بحثية علمية ومن ظواهر مسجلة، ومكتوبة ونوقشت في المؤتمرات والبحوث والكتب، إلى أنه كلما قربنا إلى الله تعالى إيمانا، صفت وارتاحت وتوازنت نفسياتنا التي تؤثر في عقولنا، وعقولنا التي تؤثر في مناعتنا.. فتتعزز الصحة، ويتحقق في أحيان كثيرة الشفاء.