هكذا علمتني الأيام (3)

سنة النشر : 25/04/2016 الصحيفة : الاقتصادية

 

"تقبل النقد فن إنساني من أرفع الفنون"

عندما تؤمن بداخل نفسك أنك قابل للخطأ، وأنك بضرورة الوجود الإنساني لست كاملا فهذا أول الوعي لفن رفيع اسمه الانفتاح على النقد. إن تقبل الانتقاد وملاحظات الآخرين عنك هي الطريقة الوحيدة كي تعرف عن نفسك ما لم تعلمه ولن تستطيع أن تعرفه وأنت تسعى نحو الاكتمال وتضييق مساحة أخطائك وسلبياتك. تقبل النقد يتطلب شجاعة وثباتا وثقة بالنفس، ووجدتُ أن من النبل والرفعة وحتى شرف النفس تقبل النقد واستقباله بوعيك الحاضر حتى تعيه وتفهمه وتستخدمه لردم فجوة من الفجوات في بنائك الذاتي. ولكن فن استقبال النقد وتقبله يتطلب الثقة، وهنا اللطف والصعوبة والتعقيد والتضارب معا. تخطي هذه المرحلة بنجاح يكون كإزالة عقبة أمام حركة الماء في جدول يسقى بستانا. "كيف أعرف أن الشخص الذي يقف أمامي وينتقدني يحبني فعلا؟" وسؤال مهم آخر: "كيف أعرف أنه يريد لي التقدم والنجاح وقبول الناس لي، وأن هذا يسعده؟" ثم سؤال أهم: "حتى لو تأكدت أنه يحبني، ويسعد بعلو مقامي بين الناس.. هل هو مؤهل عقلا وحكمة وتجربة ومزاجا أن يكون في موقف المنتقد المفيد؟". هذا امتحان على كل واحد منا اجيازه مستخدما أدوات ثلاث: عقله وحدسه وقلبه.

"لا عيب أبدا في أن تكون ماديا"

الحياة التي نعيشها عبارة عن ماديات. والعالم كله في نظر فيزياء الكون عبارة عن مادة. فلا عيب إذن في الماديات، فنحن شئنا أم أبينا أبناء المادة. وجدت أن تعيير بعض الناس بأنهم ماديون هو خطأ غير مبرر. فكلنا ماديون شئنا أم لم نشأ.. كلنا أبناء المادة. الذي يسعى لسد جوعه فهو يريد شيئا ماديا هو الطعام ولا يمكن أن يُعاب على ذلك فهي حاجة في وجوده الحيوي وضعها الله كغريزة أصلية. كما أنه ليس هناك عيب في الاقتناء، وإشباع ليس فقط الحاجة الإنسانية الأولى، بل حتى الاستمتاع بها وهي أيضا حاجة إنسانيا. إذن فلنتفق أن من يقتني أي شيء مادي طالما أنه يحتاج إليه أو يستخدمه ويستطيع أن يشتريه دون أن يخل بتوازنه الاقتصادي، فهنا هو شخص مادي لا يعاب. العيب والخطأ بل الخطر هو إدمان المقتنيات. نحن نسبة غير قليلة مِنّا واقعون حتى قمة رأسنا في مصيدة الإدمان على الاقتناء دون أن نعلم أو نعلم. إدمان التسوق وهو يعتبر الآن عند علماء النفس مرضا وإدمانا خطيرا كالقمار ووضعوا اصطلاحا له هو: Compulsive-shopping. زرت صديقا، وفتح دولابا عريضا عميقا في مجلسه وأخرج لي هدية كان يحتفظ بها لي عبارة عن عطر فخم، وفجعت. لم يفجعني العطر النفيس الذي لا أحبه ولا أميل لرائحته، بل فجعني أن الدولاب متخم بالعطور، أكثرها الكاسح علبٌ جديدة لم تفتح. ووضح جليا أن صديقي يكاد يقدس اقتناء العطور، وهنا تعدى الحاجة والقدرة على الاستخدام. كما أنه ما زال يدفع أقساط سيارته، فإذن هذا الاقتناء مؤكد يسبب له عسرا ماليا. وقس على ذلك مشاهد اقتناء فائض كثيرة. يكون الإنسان ماديا بطبعه ويقتني لحاجته وللاستمتاع أمر عادي؛ وعندما يكون السعي وراء الاقتناء المادي هدفا وولعا أو تمظهرا.. فصدقوني هي حياة البؤس.

نكتفي بهذا اليوم.. وألقاكم بإذن الله الإثنين القادم.