الجيد، والسيئ، والبشع!
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
استعرت عنوان هذه المقالة من عنوان الفيلم الأمريكي الشهير ""THE GOOD, THE BAD, AND THE UGLY. وطرأ على عنوان الفيلم وأنا أحاول استعراض المشهد العام للأمة:
*الجيد: هو ما نراه أولا في تباشير تحسن في الاقتصاد، بحيث إن أزمة إمداد الزيت في السوق العالمي رفع سعر النفط سعرا قياسيا، وقد يتعدى في القريب كل ارتفاعاته القياسية التاريخية إن لم تنصلح أحوال السوق ابتداء من أزمات إمداد النفط العراق والتي لا تنتهي في مشاكل إنتاج النفط في الحقول الروسية، أو زيادة الطلب العالمي في الشمال الأرضي وفي الصين والهند. ويعني هذا تدفقا ضخما للنقد في الصهاريج المالية المحلية، كما أن وجود كثير من الأموال التي تكتلت في الخوف من الوضع العالمي قد جعلت البلاد أمام وفرة مالية من المفيد أن توضع بخطة موحدة لنشل الأمة من جفافها السابق ومن ضغوط أعباء الدين، وتشغيل أو إعادة تشغيل مشاريع حيوية وبنيوية.
كما يشهد السوق الصناعي المتمثل في الصناعة شبة الأولية والتحويلية فرصا كبيرة للتوسع ابتداء من مشاريع "سابك" إلى القطاعات الخاصة. السوق الاقتصادي السعودي بلا منازع الأنشط والأقوى في كل المنطقة العربية، والقوة طبعا لا تكفي إن لم تصاحبها حكمة التنظيم ومرونة المقابلة واتساع التصور. كما تشهد الأمة محاولات رسمية للأمام لا تخفى، وإن تباين لناس في قوة حضورها أو في مدى تأثيرها، أو واقعية تشكيلها، أو تصوره عند البعض مثل الحبوب المهدئة للصداع في تحرير السطوة الرسمية المطلقة بالمشاركات القطاعية العريضة، ابتداء بمفهوم الحوارات الوطنية، ولجنة حقوق الإنسان، والانتخابات البلدية. كلها خطوات قد لا تكون فسيحة كما يأمل المتفائلون ولكنها في اتجاه للأمام، مما يقلل شعور التوجس عند المتشائمين. إنها ليست جريا في الفسوحات، ولكنها آثار تـُخط في الزحف للأمام.
* السيئ: هي خطوطٌ في جدار الأمة، والخطوط قد تصير شقوقا، فهناك تجذير لفروقات سلبية بين فئات الأمة والمجتمع، وهي منحى إن استمر سيخلق الفئات المتفرقة أو الجزر المتفرقة في بحر الأمة فتصير مقطوعة من بعضها، أو أنها قد تتبلور مع الزمن عداء وعدم ائتمان من قبل بعضها البعض، والعداء يورث ويبقى وينمو للأسف هذا الواقع المسجل من تراكمات الماضي. إن تفريق فئات الأمة عن قصد أو غير قصد هو اللعب فعلا بالنار، والنار من مستصغر الشرر. فهناك الطبقة الكبيرة من الموظفين الحكوميين الذين صاروا مجتمعات بحالهم، فرضت عليهم طبائع متقاربة مع بعضهم ومتباعدة من البقية من غير إراداتهم، فهم ينأون عن فئة المقتدرين ويخافون هلعا من نزولهم إلى فئة المحتاجين، أجور هيكلية لا تتمدد إلا بمقدار، فهم إذن في دائرة تضخم اقتصادي بحكم أن الأسعار ارتفعت وترتفع، وأجورهم مسترخية في منطقة لا تتعداها.
ولابد أنهم سيتذمرون من حالهم إما بالشكوى والتحسس من الآخرين، وإما بالتحايل لرفع العيش فيضيعون بين خرق النظم وأسس الأخلاق، وبين إلحاح الحاجة للنمو المالي. وهناك الدعوات والطرق الملتوية أو الصريحة في إلقاء اللوم على رجال الأعمال حتى صار هناك تعريف بغيض ساد بين مجمل طبقات الناس عن رجال الأعمال روجها كتابٌ قصيرو النظر، ومسؤولون من أسهل الأمور عليهم في كل ملمة ومناسبة طعن أصابع الاتهام في صدور محركي الاقتصاد، بينما ترى أعمالا هادفة وخيرة يقدمها رجال أعمال للمجتمع ولكن يضطرون للترويج عنها بأنفسهم بأكثر من طريقة. إن التعرض لرجال الاقتصاد رسميا هو من طبائع الحكومات التوتاليتارية، وإن الذكاء في التعامل مع رجال الأعمال هو بإتاحة براح من الحركة، وليس بتحزيق مساحاتها، فمهما فعلت عندما تقف ضد طبائع الأمور فهي إما تجرفك، وإما تغير مسارها.. لا خيار آخر. كما أن بعضا من رجال الأعمال شطّ وابتعد بلا داع إلا بتغريب نفسه عن أخلاقيات مجتمعه وسفح الأموالَ ادعاءً وبطرا، وهم بالتالي ضد كل طبقات الأمة أولها طبقة رجال الأعمال أنفسهم.. ونكتفي بهذا من وسائل الفرقة وغيرها كثير.
*البشع: هي الدماء تنفر من أوردة الأمة وتغطي وجهها الذي طويلا ما عرف الدم، إنه هذا الغياب بيننا وبين أجيالنا فخلق كائنات غريبة تلتهب نارا فألهبتنا معها، جرتنا من مجتمع آمن غافٍ سادرٍ إلى أتون الرعب والخوف بلا مقدمات. هو أيضا في الفساد الذي يبيح تغذية مسوخ الجشع الشخصي من موارد الأمة والتي كانت يجب أن تنصب في نسغ حياتها.
هو انتشار المخدرات والضياع في البحث عن أولئك الشباب النحيلين من مستخدميه، بينما لابد أن نسعى وراء الطرائد الكبيرة التي تسقيه السم، وهي تمرح بالثراء. هو في الإهمال الصحي والتقصير التعليمي، وانتشار الفاقة. ونخاف مما يجري من بشاعات حولنا في العراق وخوفنا أن تمتد بشظاياها إلينا..
.. لا تنظر إليّ رجاءً، وتطلب حلاً، أنا أنقل لك ما خبرته وما لاحظته، غير أني أتمنى كل الخير للأمة مثلك تماما. ولا يجب أن نحلم أن يأتينا " كلنت استوود" بطل الفيلم المذكور من وراء البحار، ممتطيا صهوة دبابته أو "ديمقراطيته" ليعدّل من وضعنا.. فقد تعلمنا كلما جاء "كلنت استوود" لا نسمع عندها إلا.. أزيز الرصاص!