السجينُ .. ونحن

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
اخترتُ الضميرَ "نحن"، لأن المجتمع هو أنت وأنا وبقيتنا.. أحيانا نعتقد أن المجتمعَ مستقل بذاته.. فنميل للاعتقاد أن ما يقوم به المجتمع لأي فئة من ضمن نسيجه هي شيء كفرض الكفاية.. والحقيقة كثير من أدوار المجتمع التكافلية يجب أن تكون فرض عين، وإلا ما حققت هدفها بالرجاء المطلوب. ومن هذه الأدوار الكبرى التعامل مع السجين.
 
كان هذا المبدأ الروح الدافعة وراء فكرة إقامة "ندوات السجين والمجتمع".. وعلى مدار يومين من السبت إلى الأحد 2-3 حزيران (يونيو) الجاري تمت إقامة الندوة الثانية وتحت عنوان الإصلاح والتأهيل، غير أن محاضرات ومداخلات اليوم الأول الذي قُيِّض لي حضور جلساته تعدت هذا المفهوم إلى مفاهيم خاصة بحق السجين القانوني والشرعي والإنساني .. وكان بالنسبة إلي يوما مشهودا، وحين قلت لأخي الدكتور عبد الله بن حمد الرزين: "إنك قدمت لي معروفا لا ينسى بالتفضل بدعوتي"، إنما من تأثير ما سمعت، وما شاهدت.
 
الظرفُ القوي منعني من متابعة أحداث اليوم الثاني، إلا أن أسفي لم يكن هو المسيطر، نظرا للزاد العميم الذي أخذته من اليوم الأول.
 
الجميل هو هذا الشعور الأخوي والإنساني في تلمس حالة ومشاعر وكينونة السجين، والوعي هنا يفوق مجرد العطف والحب للسجناء، ويتعداه عضويا وتتابعا لازما إلى كل المجتمع لتحويل السجين إلى عضو فاعل وصالح ضمن المظلة الاجتماعية، حتى لا يكون فجوة في قماش هذه المظلة فيعطل دورها الواقي والحمائي.
 
أدار الجلسة الأولى الرجلُ المضيء العالم الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، وحرص على أن يكون تداخله مع متحدثي الجلسة تفسيريا تكميليا من واقع الاندفاع العام الذي عم الجلسة في الكشف عن حالات السجن والسجين، ولقد حلق الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن أحمد الصالح، وجاءت كلمته قوية صريحة غير مواربة حول حقوق "الإنسان" في مرحلة القبض والإيقاف، ولقد أوقفتني كلمة الإنسان كثيرا، وشرحت قلبي، حرصي وصل إلى التلهف لما سيقوله الشيخ الصالح، وجاء فوق ما توقعته من الصراحة والمكاشفة وبالذات في حق السجين وهو في حالة السجن، لذا ابتسم اللواءُ الدكتور علي بن حسين الحارثي طويلا والدكتور الصالح يشدد على أنه:"لا يجب أن يُضيق على السجين، مفصلا بدقة مدهشة العناية بالحالة النفسية للسجين حتى أنه حذر من صبغ غرفته بالسواد، أو تغليظ قضبان سجنه، وتحسس أنواع عقابه حتى لا تترك آثارا جسدية أو نفسية" وتساءلتُ: يا ترى، ماذا كان وراء ابتسامة مدير عام السجون؟ ما أعرفه من الوهلة الأولى هو التقبل بصدر واسع المكاشفة والصراحة، ولم يخب توقعي، فقد التقط اللواءُ المداخلة مؤكدا حرصه على الشفافية.. وربما فسرتُ ضحكته احتجاجا لأن السجون ليس فيها ما توقعه الشيخ الصالح من التمادي في عقوبة السجين، وهذاما نتمناه نحن .. المجتمع! إن تيار المصارحة سرى كالتيار في الجلسة الأولى مما دفع أكثر من محاضر إلى التطرق لمواضيع كنا نعتقد أنه من المحظور تداولها في الجمع العام، مثل ضعف إجراءات القبض، والحماية، والمحاكمة، فيتعرض المقبوض عليه (المتهم إن شئت) إلى ظلم مثل أن يرمى لمدة طويلة دون أن يعرف ما هي تهمته.. وكنت أود للدكتور الشيخ ناصر بن إبراهيم المحيميد في محاضرته عن حقوق السجين في مجلس القضاء أن يتعمق في موضوع مهم تطرق إليه وهو ما يخص العناية بأسرة السجين حتى لا تدفع ثمن أعمال لم ترتكبها، وما ينعكس على ذلك سلبا في حال وتصرفات وسلوك أعضائها، غير أنه مس الموضوع مسـّاً رقيقاً رغم أهميته القصوى، وأرجو منه دراسة حول موضوع أسرة السجين.
 
وكان موضوع الدكتور الشيخ حمد بن عبد العزيز الخضيري مهما وجدَليا خصوصا في الوقت الحاضر، وأفادني شخصيا، حيث كان مطلوبا مني الرأي في صحف وأوساط إعلام أجنبية بما يدور حول ما يشاع عن سوء إجراءات القبض على المتهمين، وتعدى ذلك إلى المس بدين الإسلام، ما قاله الشيخ الخضيري عن حقوق السجين، وحقوق المحاماة كان مدهشا ومدللا، وأعددتُ وأنا أسمع مقالا بالإنجليزية معظمه نقلا عن دعوته المثلى التي في بعض نقاطها فاقت ما تتفاخر به القوانين الغربية.
 
دارت محاضرته حول مواقف إنسانية كبرى مثل " المهم هو إصلاح السجين لا التشفي منه" و" حق القبض على السجين فلا يقبض عليه إلا انطلاقا من نص شرعي - أي ليس لأسباب طارئة أو مخترعة - مع حق لا يمارى عليه في حماية حق المتهم في ماله وعرضه وبدنه وكرامته الإنسانية" و" حُرْمة ولوج المساكن للتفتيش، ناهلا من الآية الكريمة (ولا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم) وشروط واضحة مقننة كي يتوافر للمفتش حق التفتيش مثل الإذن من صاحب السلطة الأعلى، التلبس بالجريمة، وأن المعلومات عن الجرم الدائر وصلت بطرق مشروعة.. و" حق الدفاع عن نفسه، أو الاستفادة من محام، وعدم مساسه بأذى أثناء التحقيق" أما القاعدة الكبرى فهي: " الأصلُ براءة المتهم".. وهذا حق الحقوق. وتمت مناقشة مسألة سجن الفتاة.. وخصوصا ما تحدثت حوله الدكتورة أسماء بنت عبد العزيز الحسن، على أن المكان لا يسع، وسأرجع تفصيلا مرة أخرى.
 
ندوة السجين والمجتمع من أهم ندوات العام، ويجب أن تكون في غاية الأهمية كل عام!